ضائقة مالية
في يوم من أيّام النجف الأشرف وتحديدًا في عام 1410هـ، وبعد انتهاء مباحثتي مع أحد طلاب العلم، خرجت وقت العصر من مدرسة الآخوند الخراساني الكبرى قاصدًا أحد الخيّاطين المؤمنين المشهورين الذين يبيعون العبايات والصّايات ومستلزماتها، فطلبت غرضي منه.
وبينما أنا بحضرة ذلك الخيّاط، إذ بالسّيد الشهيد محمد صادق الصدر (رحمه الله)، وكان حينها لم يشتهر صيته بمقام المرجعية الرفيع، لأنها أيام حياة السّيد الخوئي (رحمه الله).
فقد كان السّيد يمشي وحده حتى حضر دكّان الخيّاط، فبادرنا بالسّلام والتحيّة الترحيب الكبير وجلس معنا جلسة تواضع رفيع. فإذا بالخياط يتحدّث إليَّ قائلًا:
هل تعرف أنّ هذا السّيد مرّت عليه ضائقة مالية كبيرة، اضطرّ معها لبيع كتبه القيّمة، ومنها كتاب المكاسب!!
فالتفتُ إلى سماحة السّيد سائلًا: هل هذا صحيح؟، فأجابني: نعم، صحيح.
المقرِّر الأبرز
وممن زرتهم في ذلك العام، الشيخ مرتضى البروجردي في مجلسه، وهو في زقاق بيته المتواضع الموجود في (الحويش)، قريبًا من مدرسة اليزدي، ويُعدّ هذا رجلًا – بحقّ – غاية في الورع والأخلاق، وكان يُحدّثنا عن كتاباته في تقريرات دروس السّيد الخوئي (رحمه الله) فقال لنا:
إنّي أكثر من قرّر دروس السّيد الخوئي (رحمه الله) من تلامذته.
ثم قال لنا أيضًا:
إنّي أكثر من قرّر درس السّيد الخوئي في التفسير، واستفاد من تقريري السّيد الخوئي لكتابة تفسير البيان.
المدرّس الأعلى!
وكذلك زرت يومًا ما في النجف وفي منطقة (الحويش) المرجع الميرزا علي الغروي (رحمه الله)، وكانت في زيارته ليلة قمراء بوجوده، وسألته – وربما سأله طالب العلم الذي كان معي-: من الذي درستم عنده وكان عنده مراسٌ علمي من الدرجة الأولى؟؟
وخطر ببالنا أنه سيُصرّح باسم السّيد الخوئي دون شك أو ريب، إلّا أنه أجابنا: هو السّيد محمد الحجّت الكوهكمري، المتوفّى يوم الثالث من جمادى الأولى 1372هـ.
وكان من شأنه العظيم أنه عندما سمع المرجع الكبير السّيد حسين البروجردي بنبأ وفاته قال:
(لقد قَصم ظهري هذا النّبأ)، وصلّى على جثمانه بنفسه، ودفن بالمدرسة الحجّتية في مدينة قم المقدّسة، وهي المدرسة التي أسّسها الرّاحل.