سافر الشّاعر أحمد محمد الرمضان، عضو مُنتدى سيهات الأدبي “عرش البيان” بأبجديته في حياة الإنسان، آخذًا تأملاته، وما تفرزه الحالة الشّعرية إلى حيث يكُون الإنسان، وذلك في باكورة إصداراته الشعرية، بعنوان “ضفاف أخرى”.
وجاء ديوان الرمضان، الصادر عن دار ريادة للنشر والتوزيع، بـ٧٧ قصيدة، أغلبها شعر عمودي، والقليل منه تفعيلة، في ٢٠٢ من الصفحات من الحجم المُتوسط، وهو الإصدار الثاني من مُبادرة الدكتور عبد الله السيهاتي، الذي تكفل بطباعة دواوين شُعراء مُنتدى سيهات الأدبي “عرش البيان” بمبلغ ١٠٠٠٠٠ ريال.
واحتوى “ضفاف أخرى” على قصائد، تتقاطع في لغتها الشّعرية، والرعشة التّأملية في مواضيع مُختلفة، تتأرجح ما بين الرثائية، والاجتماعية، والفُكاهية، والمدائح العامة، كالوطنية، والمولد النبوي الشّريف.
يأتي الرمضان، ليكتب مُتعة، بعدما أغرق وعيًا من خلال تجاربه، ومشاربه الثَّقافية، التي اختزلها في ذاته، وعتقها ذهنيًا في بيئته وتعاملاته، ليُصور كُل هذه المفاهيم والتَّجارب في لغة شعرية، يُريد من خلالها أن يضع القارئ في مُقابلها، ليقرأه، ويستفيد منها، مُتخذًا من الشّعر وسيلته، مُلبيًا نداء قلبه، وتعلقه به، ومعبرًا عن مدى المسؤولية التي يشعر بها تجاه هذا المُجتمع.
أمي والوطن
وابتدأ الديوان، بمن تُمثل الحياة للفرد، والمُجتمع، بكُونها، تُمثل الحُب والعطاء، والحنان والإيثار، إنَّها المدرسة، التي تُخرج الأجيال، وتبعثهم إلى الحياة.
يقُول في قصيدة “يوم أمي”، بمُناسبة يوم الأم:
يوم أمي ليس يومًا عابرًا / أنتقي فيه جميل الكلمات
إنَّه عُمر مديد بالعطاء/ وفؤاد حامل عذب الصّفات
وفي الوطن، يعبر الرمضان عن عُشقه، والانتماء الفخر، الذي تعتق في ذاته مُنذ ولادته، ليُترجمه في قصيدته، التي عنونها بـ”وطني”، مُبينًا أنَّ موهبته الشّعرية في وطنه، يغرسها في خدمته، مُؤكّدًا أنَّ الوطن هو الملاذ، كالطبيب يُداوي أوجاعنا، كُلَّما عصفت بنا الآلام، نحني له الجبين، ليمسح على وجعنا، ويُطبطب عليه حنانًا، ليستريح على ضفتيه، يقُول:
طوَّعت أبياتي لخدمة موطني/ وأنا برصف الشّعر ليس ببارع
حيث ادَّخرت لديه كُلَّ صبابتي/ وأزلت نجواه كُلَّ مواجعي
ثقافة النّموذج
وفي القصائد الرثائية، يقُول في قصيدة “هي زينب”، ليُشير إلى ماهية الخُلود، الذي يجعل الإنسان خالدًا في ذاكرة الأجيال، لا يخفت وميضه، ولا يترهل النَّموذج، مهما مرَّت الأيام، لكنَّه يزداد توهجًا:
نظرت لها عين الخُلود بغير ما/ نظرت لها سُوح الوغى ورُباها
زرعت فسائل مجدها بمسيرها / فاخضرَّ للأجيال درب خُطاها
العلاج بالفُكاهة
وكان للفُكاهة في الديوان نصيب من الأبجدية، تنساب بين أصابعه سهلة وخفيفة الظّل في سياقها اللُّغوي، حيث تأتي بلا استنزاف المعنى ضمنيًان فتجده سهلًا، ممتعًا، قد يُصنف مجازًا، بأنَّه من السَّهل المُمتنع، يقُول في قصيدته، التي حملت عنوان: الباجة والعصيدة:
كأنَّني الجوَّال في رقصه/ يهتزُّ بالرسائل العديدة
ما الحلُّ في هذا؟ وذ جُبَّتي/ عليَّ كالسَّبع على الطريدة؟
حسن سألت صاحبي قال لي / عليك بالباجة والعصيدة
وفي موضع آخر، يقُول في قصيدة “القط المُجرم”، الذي هجم على طائر صاحبه المحبوب، وجعله وجبة له، يقُول:
إنّني كمثلك يا أخيَّ مُحطم/ للآن من أفعال أتحلطمُ
قد كان لي “صُوص” يُطيب خاطري / وبصوته الرقراق أترنَّمُ
لا يأكل الحبات إلا من يدي / وينام في جنب السَّرير وينعمُ
ولطالما يجري إليَّ مُرفرفًا / حتَّى أتى بالسرّ قطُّ مُجرمُ
لهفي فلم أرَ منه إلا ريشه / يومًا نسيت الباب فاحترق الدَّمُ
الحساوية والقطيفية
وجاءت الغزل، حوارًا بينه وبين الشاعر حسين البراك، وكل يتغنى بليلاه، يتغزل الرمضان بالأنثى الحساوية، والبراك بالأنثى القطيفية، بأسلوب مُقارنة في شكلها الظاهري، ولكنَّها ضمنيًا، تُشير إلى فعل سينمائي، يخلق الصُورة الشّعرية، لتنساب، كأنهما مشهد دراميٌّ، يتخيله القارئ، لتشرق ابتسامته، بين الفينة والأخرى، مُتنقلًا بين الحساوية والقطيفية، لتُدغدغ مشاعره، الأكثر جمالية، يُكسبها الشَّاعر، يقُول:
أحمد:
الحساوية نهرٌ فائض/ بمُحياها يطيب الغرقُ
حسين:
والقطيفية وردٌ أحمرٌ / يخطف الألباب العبقُ
أحمد:
الحساوية فاقت وصفها / كًلُّ حُسن من شذاها ينطقُ
حسين:
القطيفية أشعارٌ بها/ يتغنى الحرف يسمو المنطقُ
ويتمتع ديوان الرمضان بثقافة النَّص الشّعري، وسينمائية الصُّورة الشعرية، البسيطة في لغتها، العميقة في معانيها، ومشاهدها درامية الفعل، ليُجذر من خلال أبجديته، ما يُسمى “النَّص المُثقف”.
وفي ذات الضّفة، ذكر المُنسق الإداري، لـ”عرش البيان”، الأديب عقيل ناجي المسكين، لـ«القطيف اليوم»، أنَّ الشَّاعر أحمد الرمضان، يمتلك شاعرية مُتفردة، وذائقة شعرية، تبزغ في الأفق من خلال ما ينسجه بيراعه من لوحة شعرية، تمتاز بلغتها، ومعانيها المُتولدة من خلال تجاربه وفكره.
وأشار في كلمته، إلى أنَّ “ضفاف أخرى”، يتسم بالبوح الاجتماعي، ليأتي الشَّاعر، طائرًا، يُحدق في مُجتمعه، ليُعبر عن هُمومه وآماله، مثلما يُعبر عن تجاربه وأحاسيسه.
وقال: “إنَّ الديوان، في أغلب موضوعاته الشّعرية، ينحاز إلى الناحية الاجتماعية، من حيث التَّوصيف والتَّغني، والاحتفاء والفخر”.
وأضاف أنَّه لا يتوقف عند حدود تصوير الواقع، كما هو، بل يُعبر عن رؤيته لإعادة تشكيل الواقع وصياغته، مُشيرًا إلى أنَّ الشَّاعر الرمضان، يتغنى كثيرًا بعشيرته في مُناسبات مُتعددة، لتجد أنَّ الديوان، إن قرأته نقديًا، مُتأملُا فيه، ستخرج بالكثير من الومضات بألوانها المُختلفة.