خَطُّ الدِّفَاعِ الْأخْيَرِ فِي جِسْمِ الْإِنْسَانِ (B-Cells)

خلقَ الباري جلَّ وعلا الإنسانَ بأحسنِ بناءٍ وهيئةٍ وقوامٍ حينَ قالَ اللُه في مُحْكَمِ كتابهِ الكريمِ : {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِىٓ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍۢ} [التين – 4].

وزوَّدهُ بِمَا يحتاجهُ مِنْ وسائلِ دِفاعٍ تذبُ عنهُ فِي حالةِ الهجومِ عليهِ مِنْ قِبلِ المخلوقاتِ الأخرى وخاصةً المجهريةُ مِنْهَا كالفيروساتِ والبكتيريا بأنواعهما المختلفةِ حيثُ قالَ عَزَ مِنْ قائلٍ: ﴿أيَحْسِبُ الإنْسانُ أنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة – 36].

وبناءً على ما تقدمَ، كَانَ لا بدَ مِنْ إلقاءِ نظرةٍ موجزةٍ لمسبباتِ هَذِهِ الأمراضِ المذكورةِ آنفًا والتي مِنْ أبرزها البكتيريا والفيروسات، وحتى لا تلتبسُ المسمياتُ والمفاهيمُ على العامةِ مٍنْ الناسِ؛ كَانَ مِنْ الضروري وضعَ الأمورَ في مَجْرَاها الصحيحِ طبقًا لما أوردتهُ جهاتُ الاختصاصِ دونَ تهويلٍ وتخويفٍ.

سنتعرضُ بدايةً على التعرّفِ على هَذِهِ المسبباتِ وآليةِ مقاومةِ الجسمِ لها، ثُمَ نُوْرِدُ بَعْضَ الإرشاداتِ التي تقي وتحمي مِنْها بعدَ اللهِ بعيدًا عَنْ الصَخبِّ الإعلاميِّ فِي هذا الشأن.

ولِمَا يواجههُ العالمُ اليومَ مِنْ أمراضٍ فتَّاكة نجمتْ عَنْ مثلِ هذهِ المخلوقاتُ الحيةِ المجهريةِ، والتي مِنْهَا مرض كوفيد-19 (COVID-19) الذي هو حديثُ الساعةِ الآنَ، والمعروف باسمِ المرضِ التنفسي الحادِ المرتبطِ بفيروسِ كورونا المستجدِ 2019، وهو مرضٌ تنفسيٌ، حيواني المنشأ، الذي أُكتشف لأولِ مرةٍ في مدينةِ ووهان الصينية عام 2019، وانتشرَ حَوْلَ العالم منذ ذلك الوقت مسببًا جائحةَ فيروس كورونا.

دَعُونا نُحَدِدُ مَاهِيْةَ البكتيريا أو الجُرْثُومَةَ أو الجُرْثُومَ (Bacteria)، وهي كائناتٌ حيةٌ دقيقةٌ وحيدةُ الخليةِ، وأولى أشكالِ الحياةِ التي ظهرتْ على سطحِ الأرضِ، وهي موجودةٌ في معظمِ الأماكنِ على هذا الكوكبِ.

إنَّ الأمراضَ البكتيريةَ الأكثرُ شيوعًا وفتكًا هي عدوى الجهاز التنفسي وعدوى السل اللتان توديانِ وحدهما بأرواحِ مليوني شخصٍ كلَ عامٍ مُعْظِمهَم مِنْ جنوبِ صحراءِ إفريقيا.

أما الفيروسات فهي عواملُ ممرضةٌ صغيرةٌ لا يمكنها التكاثر إلا داخلَ خلايا كائنٍ حيٍ آخرٍ، فهي صغيرةٌ جدًا ولا يمكنُ مُشَاهَدتها بالمجهرِ الضوئي والتي تصيبُ جميعَ أنواعِ الكائناتِ الحيةِ، وتعتبرُ الكيانُ البيولوجي الأكثرَ وفرةٍ فِي الطبيعةِ.

وشَاءتَ رحمةُ الباري ولطفهِ بعبادهِ؛ أَنْ هيأ لأجسامنا وجهَّز لها عَزَّ ذِكِرهُ خطوطَ دفاعٍ أولى تتمثَّلُ في الجلدِ والجهاز التنفسي وجهازِ الدورانِ والجهازِ الهضمي وأعطى هَذِهِ الجنودَ التي لا نراها وسائلَ تُدافعُ عَنْ الجسمِ ضدَ هَذِهِ المخلوقاتِ الغازيةِ. قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31 ].

فقد زوَّد ربُّ العباد الجلدَ بغددٍ تُفرزُ وسطًا حمضيًا مثبطًا لنموِ المخلوقاتِ الحيةِ المجهريةِ كالبكتيريا والفيروساتِ، كما يمتلكُ الجهازُ الهضمي في المعدةِ حمضًا قويًا هو حمضُ الكلور الذي يقومُ بدورِ المعقمِ مِنْ هَذِهِ المخلوقاتِ المسببةَ للأمراضِ، ويوجدُ في الدمِ نوعٌ مِنْ خلايا الدمِ البيضاءِ (Red Blood Cells) التي تتبعُ الأجسامَ الغريبةَ ليتمَ محاصرتها والقضاء عليها؛ والتي تسلكُ طرقًا مختلفةً في الدفاعِ كتغييرِ شكلها والإفراز والابتلاعِ، كما يمتلكَ الجهاز التنفسي طرقَ دفاعٍ متعددةٍ منها المخاط والشعر في الأنفِ والأهدابِ الطاردةِ في الجهازِ التنفسي العلوي التي تظهرُ محاولةُ إخراجِ هذهِ الميكروباتِ مِنهُ على هيئةِ كحةٍ.

وعلى الرغمِ مِنْ وجودِ هَذِهِ الجنود التي سخَّرها اللهُ سبحانهُ وتعالى وزودها بالوسائلِ المختلفةِ للدفاعِ عنا؛ إلا أنَّ هَذِهِ الميكروباتَ تخترقُ هَذِهِ المصداتِ محاولةً الوصولِ للخلايا الهدفِ وهي خلايا الجسمِ التي هي عمادُ الجسمِ وأساسِ بِنَائهِ ومنشأ طاقتهِ والتي تقومُ بالعملياتِ والأنشطةِ الحيويةِ المختلفةِ للجسمِ، وقبلَ أنْ تصلَ لمبتغاها؛ يتصدى خطُ الدفاعِ الأخيرِ والذي يمثِّلُ خطُ الدفاعِ المختصِ، والذي يكونُ فِي اللمفِ وهو المنطقةُ الفاصلةُ بَيْنَ خلايا الجسمِ والدمِ، فهنالكَ تتمُ المواجهةُ الأخيرةُ والمعركةُ الشرسةُ بَيْنَ هذهِ الميكروباتِ مِنْ جهةٍ وخلايا الدم البيضاء المتخصصة مِنْ جهةٍ أُخرى. فقدْ سَخَّرَ اللهُ جلَّ وعَلَا نوعًا مُختصًا مِنْ خلايا الدمِ البيضاءِ (White Blood Cells) تُدعى الخلايا التائيةُ (T-Cells) التي تبتلعُ وتتعرفُ على هذهِ الميكروباتِ لِتُنْتِجَ بعدَ ذلكَ خلايا مختصةً أخرى تُدعى الخلايا البائيةُ (B-Cells) والتي تُعْتَبَرُ طَوقُ النجاةِ الأخيرِ لإيقافِ تَقَدمِ وزحفِ هذهِ الميكروباتِ الشرسِ نحوَ خلايا الجسمِ، والتي تقومُ هذه الأخيرة بإنتاجِ وسائلِ الدفاعِ المناسبةِ والتي تُسمى بالأجسامِ المضادةِ لمولداتِ الضدِ (الميكروبات).

يتمُ بعدَ ذلكَ إيقافُ هذا الزحفُ والسيطرةُ عليهِ، ثم تحتفظُ هذهِ الخلايا بالوسائلِ الدفاعيةِ التي تم إنشاؤها لاستخدامها مرة أخرى في حالةِ معاودةِ نفس النوعِ مِنْ الميكروب الدخول مرة أخرى (الذاكرة)؛ مما يحققُ ما يُسمى بالمناعةِ النوعيةِ والتي تسعى الجهات الصحية للوصول إليها مِنْ خِلَالِ التطعيماتِ التي تُجرى حاليًا.

وأخيرًا سنطرقُ بعضَ الإرشاداتِ التي تساعدُ في الوقايةِ مِنْ الجراثيمِ خلالَ موسمِ الشتاءِ وفي غيرهِ مِنْ الفصولِ بعدَ توفيقِ اللهِ وعنايتهِ سبحانهُ وتعالى، وتتمثلُ في الآتي: تطهيرُ اليدينِ، وتنظيفُ الهاتفِ الذكي، وتطهير المنزل، وتنظيفُ الثلاجةِ، وتركُ مسافةٍ آمنةٍ بينك وبين الآخرينَ، وتناولُ الطعامِ الصحي، والتعرضُ لأشعةِ الشمسِ، وممارسةُ الرياضةِ، والحصولُ على النومِ الكافي، والحصولُ على لقاحِ الإنفلونزا.

وهذهِ بعضُ الأسبابِ التي تساعدُ على انتشارِ الجراثيمِ في فصلِ الشتاءِ وتتمثلُ في الآتي: عدمُ فتحِ النوافذِ خلالَ الطقسِ الباردِ، وقصر فترة النهار، وقلةُ التعرضِ للشمسِ، وقلةُ التنظيفِ، وجفافُ الهواءِ.

نسألُ اللهَ الشفاءَ العاجلَ لجميعِ المرضى.


الهوامش والمصادر:
1- القرآن الكريم
2- موقع ويب طب
https://www.webteb.com/articles/نصائح-الوقاية-من-الجراثيم-شتاء_21520
3-موقع ويكبيديا
‏ https://ar.m.wikipedia.org/wiki/فيروس
4-خلية بي ذاكرة (بالإنجليزية: Memory B cells) هي خلية بائية تحولت في أحد الأعضاء اللمفاوية بعد أن تعرضت لجسم دخيل (مثل ميكروب) وتحفزت لتكوين جسيمات مناعة في حالة مواجهتها لعدوى مستقبلًا بنفس مسبب المرض؛ لهذا تسمى تلك المقاومة «الاستجابة المناعية الثانية»
5- المُسْتَضَدّ أو مولد الضد أو مولد المضاد (بالإنجليزية: antigen)‏ مادة تثير الاستجابة المناعية. قد يكون جرثوم أو فيروس دخل الجسم؛ فيبدأ الجسم في “توليد” جسيمات ومواد خاصة مضادة له للقضاء عليه بغرض حماية الجسم.
6- الأجسام المضادة (Antibody)‏ هو بروتين على شكل حرف Y الإنجليزي ويتواجد في الدم والسوائل الجسمية الأخرى في الفقاريات، ويتم استخدامه من قبل جهاز المناعة للتعرف على الأجسام الأجنبية وتحييدها مثل البكتيريا والفيروسات.
7-الخلايا التائية (بالإنجليزية: T cell)‏ تشكل مجموعة من الخلايا اللمفاوية الموجودة بالدم وهي تلعب دورًا أساسيًا في المناعة الخلوية (بالإنجليزية: cell-mediated-Immunity)‏. الخلايا التائية مع الخلايا البائية تشكلان معًا المناعة المكتسبة. وسميت بالتائية نسبة إلى مكان نضوجها شفي الغدة الزعترية (بالإنجليزية: Thymus)‏ وينضج بعضها في اللوزتين بعد هجرتها من نخاع العظام.



error: المحتوي محمي