إن الدين الإسلامي ما جاء إلا لتحقيق السعادة الأبدية للبشرية جمعاء، وليس كما هو حاصل في أيامنا هذه! فالبعض أفسد آخرته بدنياه من خلال الإقدام على كثير من السلوكيات المُخزية. ويتمثل ذلك في عدة مواضع ولكن ليس من المُلائم ذكرها بناء على ما ذهب إليه العنوان أعلاه، ونكتفي في هذه السطور القليلة بالتركيز فيما يتعلق بتربية الأبناء. ولا شك أن الاهتمام بهذه الفئة هو واجب شرعي على كل أب وأم، كما يتطلبه الواقع المعاش بشكل مستمر ومُلح وخصوصًا في هذه الحقبة الزمنية الحاضرة التي إن جاز لنا التعبير بالقول عنها أنها (فترة عصيبة ومعقّدة) ويرجع ذلك لما آلت إليه الكثير من الأمور من خلال تشابك وتداخل الثقافات بعضها ببعض، وكما هو واضح وجلي للأذهان اندماج عادات اجتماعية لم تكن تراودنا حتى في خيالنا الضيق يومًا من الأيام. ومنذ وقت ليس بالبعيد كان ذلك الخليط والتمازج الكوني لا مكانة له في تربيتنا ولا ثقافتنا ولا حتى في عقلنا الباطن؛ حتى بات حدثًا فرض نفسه على مجتمعنا وبالتالي رمى بظلاله تجاه الكثير من أنماط حياتنا والموروثات المكتسبة من الأسرة بشكل خاص، والمنظومة المجتمعية بشكل عام.
نعم إن تلاقح الأفكار وتبادل العلوم والاستفادة من تجارب الآخرين ممن أفنوا حياتهم لصالح البشرية في شتى أنواع المعارف حتى وإن كانت تلك التجارب والعلوم آتية لنا من خارج الحدود، فإن كانت تتفق ومبادئنا وقيمنا فلا بأس بها، بل هو مطلب ذو أهمية بالغة للوصول لنتائج محمودة تخدم بنهاية المطاف العنصر الآدمي لكل ما هو إيجابي، وكما هو مطلوب مستندين في ذلك على أن الشارع المقدس لا يُعارض الاستفادة القصوى من تجارب الآخرين، وقد جاء في الحديث عن الإمام علي بن أبي طالب – عليه السلام: “خير الناس من جمع عقول الناس إلى عقله”.
ومن هنا يصبح واضحًا أن تصدير واستيراد المعلومات النيّرة وبجميع اختلافاتها التي تساهم في رفعة وبناء الأجيال والتي تنطوي بنهاية المطاف في تحقيق الأهداف العلياء للبلاد بما يحقق الأمن والرخاء والازدهار.
ولكن كيف لنا أن ندير تلك المرحلة المهمة من مراحل تنشئة الأبناء؟! لاسيما ونحن في عالم مليء ومزدحم على بكرة أبيه من غزو لكميات لا حدود لها من سلبيات ومغالطات تُطرح؛ بل ومتوافرة ويمكن الحصول عليها بكل يسر وسهولة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بجميع تعدداتها المختلفة مع الأخذ بعين الاعتبار أن المشكلة الحقيقية ليست في تلك الوسائل أبدًا، ولكن الإشكال الحقيقي هو في التغييرات التي حدثت على أنماط سلوكنا نحن كأولياء أمور تجاه فلذات الأكباد، وذلك بالعزوف عنهم، والابتعاد عن محيطهم المحشو بالمخاوف والأخطار المحدقة بهم، والتي قد تعصف بسلامة فطرتهم السليمة متعللين في ذلك بكثرة مشاغلهم وأن الزمن ليس كما كانوا يعيشونه سابقًا، حتى وصل الأمر لبعضهم للغفلة عن كلام الحق في قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}. [سورة التحريم: الآية ٦].
نلاحظ ما جاء في الآية الكريمة من صيغة أمر باتباع منهج حدده البارئ -جل في علاه- تجاه أنفسنا وكذلك تجاه رعايانا وهم الأبناء بمعنى أنهم مسؤوليتنا أمام الله -سبحانه وتعالى-. فهم أمانة الخالق لذا يتوجب علينا صيانة تلك الأمانة بما أمرنا، ونراعي حقوقهم وأن نتقي الله بخصوصهم ولا نترك شؤونهم تحت رحمة تلك التِقنيات وما يدور في جعبتها وتُصدره لنا من أحداث وزخم كبير من المغريات لا يتسع المقام لذكرها هنا. ونحن نعلم أن القارئ العزيز يدرك تمامًا ما نرمي إليه وما هو مقصود وما يأتي من تلك الوسائل التي لا تعرف للقيم معنىً، ناهيك عن مشاغل الحياة وهمومها في ظل إشكاليات متزايدة نلاحقها بما أوتينا من طاقة؛ ونتيجة لهذا لا يمنحون الفرصة للجلوس مع الأبوين والاستماع لهم؛ لذا كان من الضّروري تخصيصُ وقت كافٍ لتبادل أطراف الحديث مع صغارنا والإصغاء لهم، والتعرف على رغباتهم وميولهم وإظهار الاهتمام بمتطلباتهم والسعي لتحقيقها ما أمكن.
فعندما يستشعر الآباء والأمهات واجباتهم تجاه أبنائهم ويعرفون أنهم مسؤولون من الناحية الشرعية والأخلاقية عن رعايتهم، وأن هذا الأمر أكثر إلحاحًا من حيث واجبنا نحوهم. فمسؤولية الأبوين تجاه رعاياهما تتجاوز قضية المأكل والمشرب إلى تربيتهم وتثقيفهم، وإحاطتهم بالعطف والحنان والرعاية والاهتمام. ولابد أن يعلم أولياء الأمور أن التقصير في ذلك هو بمثابة معوِّق لهم -أي الأبناء- في رسالتهم التي يحملونها تجاه الإنسانية والمُثل العليا مستقبلًا بل إن هذه المعوقات تمثل ثقلًا على كواهلهم، وتُثبط هممهم وبعدها ستنمو المشكلة ولن يُقبل منهم هذا التفريط مع فلذات أكبادهم. فلنتقِ الله في تلك الأمانات التي أودعها خالقنا في أعناقنا، فالاستثمار الحقيقي هو في رعايتنا لهذه الناشئة خير رعاية لنضعهم في طريق العدل والصواب، فبهم يتحقق المنشود ونصل للمبتغى والغاية، ومن خلالهم تصلح شؤون الأمة وترتقي – بإذن الله تعالى.
اللهم أعنّا على حسن تربيتهم ووفقنا للوصول بهم لما تحب وترضى. اللهم أصلح حالهم ووفقهم وقر أعيننا بهم، واجعلهم ذخرًا لمجتمعهم ووطنهم إنك نعم الحافظ وأنت العلي القدير.