ثمَّة شيء في ذات الإنسان، يهفو إليه، حالة من الاسترخاء العفوية، لا تُدرك فُصول معانيها، تتدحرج كُلَّما ازداد وجعك، فرحك، تُبعدك عن عالم الحسّ، لا تنتمي إلى الأبجدية، شُعور، كأنَّك تتأمل زهرة حمراء، لا تستطع قطفها، وفي الوقت ذاته، لا تزال تُحدّق فيها.
تمُّر اللّحظات بلا دفء، خُطواتها، تُمارس فعل المُضي قدمًا ناحية الحديقة الغنَّاء، تتصفحها كتابًا بألوانه الزاهيات، ومعانيه، التي يعبق منها الشَّذى، تأخذك اللّحظة، الآن، لتضع قدميك، هُنا في حُجرتك الفوضى، تُرتب دفاترك، أقلامك، وكُتبك، “الأيباد”، للتو قمت بتنظيفه، لتغدو الشًاشة صافية، هاتفك النَّقال مُزدحم بالرسائل، حالة من التيه لا تجعلك تستقر إلى جهة، تُمارس فيها شغفك، تُريد له النّهاية، فلا تنتهي.
إنَّ الحياة فعل درامي، يتمتع بالاستمرار، كقلبك، نبضاته في حركة دائمة، قال له ذات لقاء: أجدني لم أدرك جُملته هذه، ولكني أراها جلية، كورق الكتاب، الذي أقرأه.
يُصغي إلى زقزقة العصافير على الشَّجرة، كعادته كُل صباح، يأنس بها، ويُمشط هواجسه المُتعبات فوق أوراقها، التي تُشبه مُوسيقاه.
لم يعد يألف إلا وحدته، يتعتق في نداءاتها، لم تهدأ، لا تزال تُقارعه الطُرقات إلى ظلال العُشب، يغدق عليه حبات مطر، وقف عند نافذة امرأة تبيع القهوة، فوق رأسها مظلة، تقيها المطر، بينما ملابسه، تدغدغها حُبيباته، التي تهطل، كانت امرأة أخذ منها العُمر مأخذه، تأمل تجاعيد جبينها، قرأ في وجنتيها التّٓعب، الكثير من التّٓعب، ليستفيق على صوتها، الذي أعاد إلى أذنيه نبرات صوت، لا يزال يفتقده، سألته عن طلبه، أجابها برغبته بارتجاف كوبًا من القهوة السّٓاخن، يُشاغب به هذا الشّتاء، لعله يُهدي جسده وروحه بعض الدّفء، انفرجت ابتسامة من شفتيها المّتشققة، يُحدق في أناملها، وهي تعد القهوة، يلتمس الحُب عبر حركاتها، وهي تُديرها بلطف.
أتعلم، يا صديقي أنّٓ الحُب لا تشعر به، إلا إذا عشته في كُل تفاصيل حياتك، فلا تقدم على شيء، تُريده إلا بدافع الحُب، كُن الشُّعور ذاته، ليأتي الحُب بوصلتك في الحياة، همس في قلبه ذات شتاء سابق..، لا يعرف السّٓر في حُضور كلماته إلى ذاكرته النّٓاطقة في رُوحة بكُلّ موقف، يمرُّ به.
دعته السّٓيدة إلى الجلوس على الطاولة المُجاورة إلى مرى النّٓهر، لتقوم بإعداد القهوة، وإحضار قطعة من الكعكة إليه.
دقائق معدودات، وكانت القهوة السّٓاخنة والكعكة بين يديه، وضعتها على الطّٓاولة بدفء، يسبقه الهُدوء، كي لا تقطع عليه القراءة، إنّٓه يقرأ كتابًا إلكترونيًا في هاتفه النّٓقال.
جلست في المقعد، الذي يُواجهه، حدّٓقت في عينيه: بُني، اعذرني لتطفلي عليك، ولكن لم أتمالك نفسي مُنذ رأيتك، فأنت تشبه ابني في ملامحك، وصمتك المُطبق على شفتيك، عينيك اللّتين تسبحان ولازالت في تأمل تام لكُل ما تُبصره، هل أنت كاتب، او روائي، أم مُخرج سينمائي، أو شيء من هذا القبيل، تُمارسه؟!
هزّٓ رأسه بالنّٓفي.
تُعيد صياغة سُؤالها بطريقة أخرى، وهذا الأسلوب، الذي يتبعه الصَّحافيون في لقاءاتهم الصّٓحفية، فإنّٓهم يطرحون السؤال، الذي لا يُجيب عنه الضّٓيف، بطُرق مُغايره، للحصول على معلومات، لها نكهة السّٓبق الصحفي.
من أنت؟ لماذا كأنّي أعرفك مُنذ سنوات، لا يُكنني تعدادها، لأشعر تجاهك بكُلّ هذا الشُّعور، الذي يصغرني الآن؟!