من يواسي من؟

حين تأتي أي مناسبة استشهاد فإن أول شخصية يقصدها القلب بالمواساة وطرق الباب لتعظيم الأجر والعزاء هي البضعة البتول (ع)، هي قطب الرحى التي حولها تدور كل علائق العصمة، فهي الابنة والزوجة والأم والجدة لكل المعصومين التي يستحيل أن لا تجد رابطة قدسية بينها وبينهم.

فحين تذهب لأي مأتم في مناسبات استشهادهم ومهما كان الحضور متواضعًا تُطمئن قلبك وتقول الزهراء حاضرة وتكفي كل الوجود بوجود أنفاس حزنها، لكن قل لي من ذا يحضر بعزائها؟ ومن نواسي حينها؟

الأم العظيمة
للأسف قد ينسى الكثير ذكر الأم العظيمة خديجة (ع) حين تمر عليه ذكرى استشهاد الزهراء (ع)، وهل هناك محترق أعظم من حرقة الأم لفقد أبنائها؟ وماذا إذا لم تكن تملك سوى بنت وحيدة تركتها يتيمة من صغر سنها فباتت تجسد البنت والأم معًا؟

قل لي بقلبك إذا ذهبت لمجلس عزاء شابة من شابات المؤمنات حتى لو كنت لست ذا معرفة بها أو قرابة، فهل تقوى على رؤية أم الشابة وتعزيتها بجملة عظم الله أجرك وأحسن الله عزاءك بدون أن ينفطر قلبك لحالها؟

الأب العظيم
معظم الآباء تأخذ قلوبهم بناتهم ويكون التعلق بهن أكبر من الأولاد، إلا من كان قابعًا بهذا الزمن بغياهب الجاهلية الأولى فيكون كارهًا للبنات ومحبًا للأولاد، لكن طبيعيًا الأب يحب بنته خاصة إذا كانت الوحيدة وتكون المدللة لديه، وحقيقةً لم ولن نرى دلال وتعلق مثل تعلق ودلال رسول الله (ص) بابنته الزهراء ووحيدته على مدى التاريخ وعصوره، فماذا عسى قلبه أن يكون بيوم شهادتها وهي الوصية التي أوصى بها ولم يراعِ حقها في هذه الأمة لتدفن سرًا ولم يحضر تشييعها سوى أربعة رجال مع أمير المؤمنين والحسنين (ع)؟

الزوج الحبيب
علاقة المودة والرحمة التي تربط بين أي زوجين تكون في أوج صورها حين تكون بين من مثلوا الزواج بأبهى صوره فكانوا نموذج الزوجين السعيدين، مهما كانت حياتهم مليئة بظروف الجوع والفقر والألم لكنها كانت تشع بنور الحب والتفهم وإيثار الطرف الآخر على النفس، فالزوجة التي تُخفي الآه والألم بل حتى الأثر على مدى 95 يومًا حسب ثالث رواية، فأي مواساة نستطيع بذلها بعد أن أظلمت حياة زوجها علي (ع) وأجهش بنحيبه وهو يغسلها لأنها لآخر لحظة خائفة على حزنه، فأوصت أن يغسلها من وراء الثياب كي لا يرى آثار تلونت بألوان العذاب ولم تمحها الأيام، لكن رغم هذا يد إحساسه وقعت على موضع الوجع العظيم الذي لا يتحمله بشر.

أيتام لا نهاية لها
حين تغادر الأم لا يحل اليتم فقط مكانها بل تحل الغربة والهضم وكل معاني الألم والحرمان، فهي الوطن العظيم وتجسيد لحنان الله على عباده ورأفته، فإن غابت غاب كل ذلك ولم تكفِ مسحة على الرأس لتسكين ألم فقدها، فماذا إذا كان اليتيم صغيرًا على تجرع غصته وعرش الله يهتز كل حين لبكائه؟

أو ماذا إذا كان اليتيم كالحسين (ع) مثلا الذي لا يتحمل رسول الله بكاءه ولا تتحمل الأملاك دمعته، وما حال أكبر أبنائها الحسن (ع) ذو السبع سنوات وبنتها زينب التي لم تتعدَ الخامسة من عمرها وكانت نسخة اليتم بهذا العمر التي ورثتها منها، فلكل واحد منهم ألم خاص بيتمه تعدى ووصل لجميع ذرياتهم إلى خاتمهم القائم (عج) ليحمل اليتم الأعظم والغربة الأشد مرارة والجرح الذي لا يلتئم إلا بأخذ ثأرها.

فقل لي هل تقوى على مواساتهم جميعًا وعرض حزنك الرادع لك من مضاعفة حزنهم بحزن ذنبك المؤذي لقلوبهم؟

الأضعف
إن جئنا للواقع نحن أضعف من أن نبذل واجب العزاء والمواساة لمن هم سادات الورى في فاجعة فقد سيدة النساء وحجة الله على الحجج الزهراء (ع)، نحن لا نبذل سوى دموع مالحة وقلوب مذبوحة بمصاب عظيم قد لا ندرك عظمته الحقيقية، لكن هي ذاتها تلك القلوب تحتاج من يواسيها ويحتضن روعتها ويمسح عن يتم أم الوجود رأسها، لنرتل جميعًا ترتيلة الشجى “سكني روع النفوس” نخاطب بها حنانها لعلها تحتضننا مع أيتامها حتى بعد تكفينها لتكون هي المبدأ وإليها نعود بالمنتهى.



error: المحتوي محمي