منزل العمر

كان حلمي أن أسكن منزلًا أحدد زواياه، أرسم تفاصيله؛ وأتابع كل لبنة فيه، فقد عشت سنين طويلة في شقة صغيرة ألهث وراء الحلم، أجمع القروش ليلتهمها السماسرة، أما الملذات الشهية وما نتوق إليه كعائلة من متعة السفر والتجوال وشراء الكماليات فقد وضعتها في حكم المحظورات، فكنت ألبس كل رخيص وأجري وراء التخفيضات واشترك في جمعيات سعيًا للادخار، وأطالب أولادي بعدم الإنفاق إلا للضرورة، أما وجبة الغداء فحدّث ولا حرج فكان يكفيني ما تبقى من غذاء زوجي وأولادي.

وكان زوجي يدفعني إلى ادخار راتبي؛ لأن راتبه ينفقه من أجل احتياجات الأسرة ولوازم البيت؛ وإيجار الشقة، وقسط السيارة، وماء وكهرباء والقائمة تطول. وأسعار العقارات تشتعل بشكل جنوني، فشراء أرض سكنية يحتاج إلى معجزة في زمن الجشع والسعار الذي ينتاب هوامير العقار في فرض الأثمان الباهظة للتراب، وقد يكون شراء منزل ما يسمى (دوبلكس) أقل تكلفة مادية من شراء أرض وبنائها؛ ولكن أغلب من يسوقون هذا النوع من المساكن المعلبة المسمومة هم بلا ضمير فالغش يسري في دمائهم؛ فيظهر فيما بعد تصدع المبنى وهشاشته، وعوض المشتري على الله.

أين الرقابة على العقاريين؟ لماذا يحرصون على الثراء الفاحش؟ ويأخذون بمبدأ أنا الرابح الوحيد والبقية خاسرون! ما المبرر لهذه الأسعار الفلكية؟! ربما لأن الطلب يفوق العرض. ولماذا سعر العقار ليس له سقف فهو مفتوح على مصراعيه؟ فهل السكن من الكماليات أم هو أساسي؟

ونكمل الحكاية وتمر الأيام وتليها الأعوام فإذا الأمنية تتحول إلى حقيقة لها صك، فأصبحت الأرض ملكنا، فلا بد من الانطلاق نحو تحقيق الهدف المنشود، وبدأنا التخطيط لمرحلة البناء الأساسية (عظم) فبعت الذهب واقترض زوجي من البنك وتم التنفيذ، ومرت السنوات ونحن نقترض ونخفّض مصاريفنا حتى تمكنّا من بناء ذلك العش، ونحن في طور الاستعداد للانتقال إلى منزل العمر، انتقل زوجي إلى رحمة الله، وبعد مضي سنة نزلنا ذلك المنزل، لم تطاوعني نفسي الاقتراب من غرفة النوم الرئيسية التي حرصت على أن تكون مريحة وهادئة ومتناغمة في كل تفاصيلها، بقيت في الدور الأرضي في أصغر غرفة في البيت، أنا مؤمنة بأنه مقدر ومكتوب {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38] ولذلك تحاملت على نفسي وأجبرتها على التعايش في المنزل الجديد رغم فراق الحبيب.



error: المحتوي محمي