من الطبيعي للإنسان أن يقررَ وحده ماذا سيكونُ في المستقبل؟ ولا نعني هنا أن ذلك الشخص هو من يصنع القدَر وما يحويه من نجاحات أو فشل من محطات حياته من تلقاء ذاته، فالمستقبل وما يحتضنه في طياته من مواقف قد تكون سعيدةً أحيانًا، وربما تكون غير ذلك أحيانًا أخرى! فهذا كله بيد الله الواحد الأحد. ولكن ما وددنا الإشارة له في هذه السطور المتواضعة هو وجوب السعي من قِبل بني البشر كافة لما خصهم وميزهم البارئ -تبارك وتعالى- بنعمة العقل التي هي ميزة يمتاز بها الآدمي عن غيره من سائر المخلوقات، والتي يفترض الاستفادة منها بالحد الأقصى لكل ما من شأنه تحقيق الرفعة والسمو من خلال الالتزام بالمنهاج القويم الذي جاء به القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}. [سورة الطلاق الآية 3].
إن المعجزات التي جاء بها الحق في كتابه المقدس لا تقتصر على المفهوم الصحيح وتوحيده -جل في علاه- بل تجاوزت عظمتُه حدود الحياة التي لا حد لها بما يترتب على صياغةِ الشخصيةِ الإنسانية بتصويب سلوكها وتقويم معاملاتها. فالقرآن الكريم منهج شامل ودستور مكتمل الأبعاد يضبط للفرد اعوجاجه ويمنحه طاقة نورانية والتي تصلح لكل زمان ومكان ليصلَ بها ذلك الشخص إلى خيري الدنيا والآخرة.
وربما بعد قراءة ما ذُكر أعلاه يُخيل للقارئ العزيز أنه لا علاقة لعنوان ذلك المقال بما جاء به المضمون حتى الآن! لذا وللتوضيح نقول ليس الإنسان بشكله الظاهري كما نراه بالأعين المجردة إنما المقصد هو ذلك (الضمير) وما يكنه بداخله من قيم راسخة أصيلة متجذرة في أعماق أناس اتخذوا من تعاليمَ ربانية أتى بها كتاب لا يأتيه الباطل مطلقًا وهو محصن بأمر الله.
ويجب أن ندرك جميعًا أن الوقت ينفذ، وأيام حياتنا تنصرم وتذهب وعجلة الزمن لن تعود للوراء. وما هي إلا قلة من الدهر ونرى شعر رؤوسنا اشتعل شيبًا، ولِحانا قد ابيضت، وتجاعيد وجوهنا ظهرت وارتسمت، وأجسادنا هرمت، وقوتنا ضعفت، وجمالنا تغير! والأجل يدنو واليوم الموعود آت لا محالة. ونحن مسؤولون عما نقترفه من أخطاء جسيمة تجاه أنفسنا بالابتعاد عن الصواب من السلوك المتزن بارتكابنا كل ما يخالف تعاليم القوي الجبار من خلال انغماسنا في مهالك الشيطان وطوارق الليالي. وتخلينا عن كل أنواع الذوق والآداب ولاسيما هذه الأيام التي أصبحنا نسارع تجاه المحظورات ونتسابق في حصاد الأخطاء ونفخر بالجهر لأنواع المخجلات، حتى غدونا في وضع لا نحسد عليه ولا نعبر عنه إلا بلا حول ولا قوه إلا بالله! ولذلك هناك سؤال يطرح نفسه إلى أين نحن ذاهبون؟ وإلى متى سنظل عاصين؟! فالإنسان لا يعلم ساعة رحيله وعقولنا محدودة لا تدرك ما هو مُعد لعبدة الأهواء من شديد العقاب، فلا مناص غير العودة لطريق التوبة والخلاص لكل ما يلوث معتقداتنا وقيمنا وسمو أخلاقنا، فلا مكسب إلا بالرجوع إلى الله والاستغفار له والتوكل عليه في كل نواحي حياتنا فهذا هو ما يجب الإقدام عليه فبسواه لا نهتدي قال تبارك وتعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، [الفرقان: 70].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “التائب حبيب الله، والتائب من الذنب كمن لا ذنبه له”. ومن جميل الأعمال أن نشغل أنفسنا بما ينفعها ويزكيها لاسيما في أوقات الفراغ والخلوات بكل أنواع الذكر ومختلف العبادات فالشيطان أجارنا الله وإياكم من مكره وخبثه أنه يعرف ضعفنا بتزيينه كل المعاصي والمحرمات والبعد عن الله – جل في علاه- وستأتي لحظة تخليه عن حزبه وهم غارقون في عسير الحساب مصداقًا لكلام البارئ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}. [الحشر الأيتان ١٦-١٧].
وفي الحديث القدسي: أوحى اللهُ إلى داود عليه السلام: “يا داود لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم، ورِفقي بهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم؛ لماتوا شوقًا إلي، وتقطعت أوصالهم من محبتي … يا داود هذه إرادتي في المدبرين عني فكيف إرادتي بالمقبلين علي”. ولنا في كلام الإمام (زين العابدين) أُسوة حسنة في دعاء له عليه السلام: “اللَّهُمَّ إنْ يَكُنِ النَّدَمُ تَوْبَةً إلَيْكَ فَأَنَا أَنْدَمُ اْلنَّادِمِينَ، وَإنْ يَكُنِ التَّرْكُ لِمَعْصِيَتِكَ إنَابَةً فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنِيبينَ، وَإنْ يَكُنِ الاسْتِغْفَارُ حِطَّةً لِلذُّنُوبِ فَإنَي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ. اللَّهُمَّ فَكَمَا أَمَرْتَ بِالتَّوْبَةِ وَضَمِنْتَ الْقَبُولَ وَحَثَثْتَ عَلَى الدُّعَآءِ وَوَعَدْتَ الإجَابَةَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ وَآلِهِ وَاقْبَلْ تَوْبَتِي وَلاَ تَرْجِعْني مَرجَعَ الغَيبَةِ منْ رَحْمَتِك إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ عَلَى الْمُذْنِبِينَ، وَالرَّحِيمُ لِلْخَاطِئِينَ الْمُنِيبِينَ”.
نسأل الله العلي القدير أن يقينا وأهلنا وذوينا وكل من يعز علينا فتن الزمان، وأن يحول بيننا وبين شرور أنفسنا، وأن يجعل خواتمنا صالحة، ويبارك أعمالنا في الدنيا والآخرة. اللهم لا تخرجنا من هذه الدنيا إلا ورضاك ساتر لنا إنك نعم المولى ونعم الوكيل.