لم أكن أتوقع أنني أثناء تصفحي لصفحة الوفيات كعادتي اليومية، على موعد مع مفاجأة حزينة جداً ومؤثرة، رغم تواصلي الدائم مع كريمتك “ريم” لأطمئن عليكِ! كم هي سوداء هذه اللحظة وكم أشعرتني بالغبن والدهشة! حيث الخبر غير محتمل! خبر وفاة صديقة الطفولة وزميلة الدراسة “زهراء موسى نور الدين”، وحينها أخبرتني نفسي وأنا الخبيرة بها، مالي أراكِ تبكين؟ ألم تكوني أشد من اليوم صبراً وصمتاً!! وقد أوشكت تلك النفس أن تؤنبني وتعاتبني!! وهنا أقول لقد أثارت فاجعة رحيلها غصة في صدري، وانحساراً لفترة الزمالة الدراسية القديمة الجميلة التي لن تتكرر، والتي جمعتنا معاً في الزمن الجميل وبالنبل الإنساني الرفيع رغم حداثة أعمارنا حينها، والذي ترك في داخلي أثراً عميقاً.
رحلت زهراء أم كريم ورحلن قبلها صديقات عزيزات، وسيرحلن بعدها أخريات وأنا أكتفي بتقديم العزاء!! هذا عزاء لي وأي عزاء هذا!! والحقيقة على الرغم من علاقتنا القديمة التي جمعتنا معاً، فإن ذلك كان بالنسبة لي كافياً كي يبني داخلي نسيجاً وجدانياً وشعوراً حقيقياً صادقاً، بأن الراحلة زهراء دوماً تلك الشخصية التي تستحق كل الاحترام.
قد لا يعني القارئ هنا أي صديقة أرثي اليوم لأنه قد لا يعرفها!! وأنا حتى اللحظة لم أكتب مقالات عن صديقاتي الأحياء! حيث أجيد وأتقن الرثاء فقط وهذا قدري المحتوم، والذي ما زال مستمراً وما زال الفقد مستنزفاً!! والحزن علي لأنني لا أزال أتابع الأحباب يتساقطون أمام عيني.
وكأن الزمن يغدر بي ويفاجئني من حيث لا أحتسب!! نعم خبر رحيلك أيتها الصديقة يحتل ذاكرتي!! نعم أيتها الراحلة الصابرة الصامتة والصادقة! أكاد لا أصدق أنك لن تكوني بالوجود بعد اليوم!! ولكنها الأقدار حقيقة وجودنا في عقارب زمن الحياة، حيث اعتدت غياب ورحيل الأحباب وما زلت أبكي على فقدانهم وفراقهم عمراً، ومن الصعب المستصعب أن يفقد المرء عزيزاً!! وما زال رمشي ساجداً بدموعي وأحزاني والذي كان موجعاً حد نزف المشاعر! وعزائي الحقيقي هي أن الدنيا فعلاً متاع الغرور، هذه هي الدنيا، بين حين وآخر نسمع أخبار الرحيل وحينها، نعلم علم اليقين كم أننا على وهم، حين نهتم بهذه الدنيا الفانية وكم نحسب للبعيد والموت أقرب من حبل الوريد.
وقبل أن أختم كلمات حزني والتي تختزل رحيلك الصامت، طرأ في خاطري كلمة امتنان لكرمك الدائم معي، والذي لا يزال طعم الفطور اليومي في فمي، والذي تحفظينه في حقيبتك المدرسية لنتناوله سوياً في الفسحة المدرسية، ولا يمكن أن يغيب عن بالي ذات يوم، أوشكت أن أغيب عن المدرسة في حصة التدبير المنزلي، لعدم وجود الزي الذي نرتديه للطبخ! وما كان منك إلا أن تقدمي لي زيا لأرتديه لتلك الحصة! وكم من المرات تساعديني في حصة الرسم، لعدم إتقاني هذا الفن في حين إبداعك فيه بامتياز!! نعم أنتِ أيتها الراحلة الحاضرة فعلاً من الزمن الحقيقي الجميل، وستبقين في ذاكرتي دوماً يا عزيزتي زهراء يا رمز الوفاء.