من يحجب الشمسَ عنا فيئهُ انحسرا
و اشتدَّ حرُّ هجير الدهرِ و استعرا
ما اليتمُ إلا فرار الأمن من مهجٍ
حتى كأن زجاجَ القلبِ قد كُسرا
ولذةُ العيشِ في أحضان والدةٍ
ومهجةٌ من أبٍ تستشعرُ الخطرا
يصدُ عنك زحوفَ الشرِّ منفرداَ
يعطيك أمناً و يعطي جوعك الثمرا
لم يعرف الشحَّ كفٌّ ظلَّ منبسطاً
أعطاك أعطاك حتى أخجل المطرا
حسبي من الوصفِ إيثارٌ يزّينهُ
أو بسمةٌ تطردُ الأحزان و الكدرا
وقفتُ أشكو الأسى و الدمعُ يلجمني
هذا الختامُ ترابٌ يحجب النظرا
يا والدي كم سألتُ الليلَ من وجعٍ
هل عاد من رحلةِ الأموات من قُبرا
أزور قبرك مشتاقاً كأن بهِ
أُنسُ الفؤادِ يداوي الهم و الكدرا
تجسُ كفي ترابَ القبر من ولهٍ
فيشعرُ القبرُ من بالشوقِ قد حضرا
لا ظلمة اللحد تُخفي حزن من فقدوا
فالروحُ تستطلعُ الأسرار و الخبرا
تزورُ طيفاً و تدنو من مدامعنا
فتهمس الروح للأرواح ما سُترا
و العمرُ ما العمرُ أيامٌ مضت و غدت
ذكرى تُقلبُ من أحداثها صورا
لا تسأل القبر عن أحوال من نزلوا
لا يترك القبر من أصحابهِ أثرا
لكنهُ منزلٌ للروحِ إن عرجت
تبقى تحنُّ إليه تنشد الوطرا
أزور قبرك مشتاقاً فإن لنا
عند اللقاء حديث يشبه السمرا
كم بلل القبر دمعٌ فاض من مقلٍ
و كم نداءٍ بعطر البوح قد نُشرا
أبي و يرتد صوتٌ من صدى نغمي
يا لفظة رتلتها مهجتي سورا
واسترجعت أمنها المنهوب لفظتهُ
كاللحن إن داعبت أنغامه الوترا
يا ربُّ أن تراباً فيه قد نزلت
نفسٌ تدافعُ عن أحبابها الضررا
أسكب عليها من الرحمات أوسعها
و اصحبهُ بالآل حتى يحصد الدررا