الكثير منا يتساءل عن مميزات بيوت أجدادنا! ومن أين استمدت تصميمها؟! وما أبرز هذه التفاصيل؟ وما الخصوصية التي تتضمنها بيوت أجدادنا؟ ولماذا كل هذا الاهتمام بهذه المباني!
تساؤلات كثيرة تتبادر للذهن، وكلما اقتربنا وجدناها بتفاصيل محددة وواضحة المعالم، هذه التفاصيل هي التي تعطي هوية المكان، وبالتأكيد أن تصميم البيت له ارتباط وثيق بثقافة المجتمع، ومدى تأثير الجانب الاقتصادي والديني على تصميم وتفاصيل البيت المعمارية، ونلاحظ أن تصميم المباني بشكل عام والبيوت بشكل خاص له ارتباط وثيق بين المضمون الإسلامي لعمارة المساكن وتعاليمه وبين حياة الأسرة وأسلوب معيشتها.
ولهذا نجد أن الدين ومبادئه تظهر من خلال التصميم وروعي الكثير من الجوانب الإنسانية والحياتية منها الخصوصية، وحرمة البيت بالاهتمام والاحترام، ليس كما هو عليه كبناء ومعمار، ولكن أهمية البناء تكمن في من هم فيه، وهنا تأتي احتياجات الأسرة أو العائلة، التي تحدد تصميم البيت، والأب أو رب الأسرة أو كبير العائلة، يحدد متطلبات السكن بالتشاور مع رئيس البنائين (الأستاذ) مع مراعاة مساحة البيت وإمكانياته المادية والاجتماعية، وهذا يعني وجود مشاركة محددة بين صاحب البيت والأستاذ.
عند التدقيق والتأمل تبدو منازل القطيف التقليدية بوجه عام من الخارج بسيطة متشابهة دون تفاصيل، وهذا ينم عن مبدأ المساواة وعدم إظهار الفروق الاجتماعية قدر المستطاع، ويغلب على جدران البيت ألوان المواد الأولية البيئية والطينية والحجر والجص، وتأتي بدرجات وبألوان مختلفة حسب نوع الطين وطريقة إعداده وحرقه (الأبيض والبيج البني والمحمر).
ومن خصوصيات البيوت القطيفية أيضاً، الاستئناس – الاستئذان، قبل دخول البيت، ولهذا نجد في المنازل القديمة على أبوابها الخشبية (مطرقة – دقاقة – طاسة – شمسة) معدنية، يطرقها الزائر عدة مرات قبل الدخول، وقد يستخدم الزائر مزلاج الباب للطرق، وإذا كان قريباً أو من أهل الفريق يكتفي برفع صوته “يا الله”، للتعريف بنفسه والاستئذان ليسمح له بالدخول.
ومن خصوصيات البيت القطيفي، نجد أن أغلب مداخل البيوت التقليدية ممتدة (الدهليز) (المجاز) المؤدي لوسط البيت، منحنٍ أو منحرف قليلاً أو منكسر أو غير مطل ومباشر على الحوي (الفناء)، وذلك لمنع رؤية أهل البيت من الدهليز أو الصاباط أو الزرنوق (الزقاق)، وذلك عبر الباب والذي يكون عادة مفتوحاً طوال النهار، ونفذت أيضاً الأبواب الجانبية المؤدية لداخل البيت والذي يعتبر الحوي محور النشاط اليومي في المنزل وموقع تواجد الأمهات وبعض نساء الفريق أثناء النهار.
ومن مميزات البيت التقليدي القطيفي أيضاً حوي البيت (الفناء) الذي يتوسط البيت عادة، ومن مهامه الحصول على خفض درجة الحرارة داخله، نتيجة الظلال الناتجة عن كسر أشعة الشمس التي تقابل جدران البيت، المكتسية بمادة الحجر الفروش والجص الطبيعيين، والتي تلائم الطبيعة القاسية من ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة، التي من شأنها امتصاص الرطوبة ليلاً وإطلاقها نهاراً مما يؤدي إلى تلطيف حرارة جو الغرف وباقي البيت، بالإضافة لوجود الفتحات (الكوة) العلوية القريبة من السقف التي تضمن التهوية السليمة لأجزاء الداخلية للغرف، مع استعمال النوافذ المطلة على الداخل للدور العلوي، إضافة إلى التصاق البيت ذاته من ثلاث جهات مع البيوت المجاورة مما يقلص تعرضه لأدنى حد ممكن من أشعة الشمس، وهذا يفضي لانخفاض درجات الحرارة داخل البيوت والممرات.
وتدل الملاحظات والقياسات الحرارية للمباني على أن هناك تفاوتاً في درجات الحرارة بين خارج وداخل البيت في البيوت التراثية في القطيف، وأن سمك الجدران في البيت القطيفي والذي يبلغ أحياناً متراً – قد ساعد على زيادة ما يسمى “التأخر الزمني” للحرارة إلى داخل المبنى، تحديداً الغرف، ولقد تميزت المنازل بشكل عام بأنها – في تكوينها وهندستها – لها انسجام مع ظروف المناخ، بالإضافة إلى وجود عنصر الشمسة، عبارة عن فتحة سماوية مطلة على فناء البيت (الحوي).
ومن مميزات البناء التقليدي أيضاً أن نسبة الضوضاء للمباني التقليدية بشكل عام أقل ومحدود، ومن خصائص البيت القطيفي، خصوصية التحرك داخل البيت دون أن يكشف من قبل المارة أو الجيران، وهي من العوامل الرئيسة الموجهة في اختيار الفناء كأساس للتخطيط للمنازل.
والمتعمق في دراسة النواحي الاجتماعية المترتبة على هذا التخطيط يجد أن الحوي يلعب دوراً مهماً كمركز للنشاط الاجتماعي للعائلة، فهو يربط بين أفراد الأسرة، ونجد أيضاً من مميزات البيت القطيفي وجود الزخارف التي لعبت دوراً مهماً وخصوصاً الجصية والخشبية، لها دور كبير في جماليات المبنى، بالإضافة إلى الفخامة والسكون التي تمنحها إياه هذه القطع الفنية لساكني البيت.
ومن مفردات البيت القطيفي وجود الچندود (مخزن التمر)، وتعتبر هذه المفردة من أهم وأبرز العوامل المساعدة في رفع الحالة الاقتصادية للأسرة وللمنطقة بشكل عام، وأيضاً أهتم القطيفي بمصدر مياه الشرب والذي اعتمد على حفر الآبار داخل المباني، إضافة إلى الرچية (ركوة) عبارة عن عمق داخل الأرض لا يتجاوز عدة مترات لجمع مياه الأمطار أو المياه الزائدة من الغسيل وغير الصالحة للشرب تجمع في مكان اسمه (رچية)، وتستخدم مياه هذه الرچية للزراعة وسقاية الحيوانات.
ومن مميزات البيت القطيفي، وجود مكانين منفصلين لقضاء الحاجة والنظافة، وهما “الأدب” مخصص لقضاء الحاجة، و”المسبح” مكان مخصص للترويش (التسبوح) والغسل والوضوء، وعادة يكون مغلقاً محاطاً بجدران مزخرفة وتعلوه من الخارج بزخارف جصية جميلة، ويتميز أيضاً بوجود ملحق بسطح البيت، ويكون لكبير العائلة عادة، ويعرف هذا المكان الجميل والمزين بالأقواس والزخارف والنوافذ الجميلة يسمى “الخلوة”، بالإضافة إلى استخدامه أوقات الصيف وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة.
وأهم ما يميز هذه المباني التاريخية مواد البناء والتي استخرجت من بيئتها الطبيعية كالطين والجير والحجر البحري والبري، وهذا يعد من أبرز المميزات لهذه المباني، فضلاً عن أن هذه المواد آمنة وصديقة للبيئة، لتبقى مئات السنين دون أن تصاب بالشيخوخة مع مراعاة واستمرارية الصيانة والترميم، هذه المواد الطبيعية شكلها رجال ذوات سواعد وهمم وذكاء فطري عالٍ، ساعد على بقاء هذه المباني رغم كل الظروف القاسية.