وجوه لا تنسى.. العلامة الخطيب الشيخ عباس المحروس «وداعًا»

من يرى هذا التشييع المهيب والحضور الغفير يعلم تمام العلم أن هذا العشق والود والتقدير لم يأت من فراغ، كل آهات الحب وعبرة الفقد ولوعة الحزن كلها جاءت نتيجة خلق هذا الشيخ وإنسانيته الملموسة تجاه الناس، نعم لقد كانت اللقطة السريعة في “التشييع” بيانًا يكتب من خلال انخراطه المجتمعي والعلمي والصديق الصدوق بينهم، وها هم يرددون “شيخ عباس” ستفتقدك المنابر، “شيخ عباس” لا نتحمل غياب نعيك.

أبا فاضل “رحمه الله” كان رمزًا وأخًا عطوفًا وموجهًا ومعينًا في الملمات، متواضعًا للصغير والكبير لا يفرق بين غني ولا فقير على حد سواء، كان للعلماء والمشايخ قرينًا وزميلًا، صارفًا وقته في التعليم الحوزوي والخطابة الحسينية وللناس مرشدًا ونافعًا لدينهم ودنياهم، ولهذا كانوا يحبونه ويألفون مجلسه ودائمًا يسيرون إليه في حل مشاكلهم.

ولد العلامة الشيخ الفاضل عباس بن علي بن عبد الله بن علي المحروس عام (1377هـ – 1957م) بالقطيف، ونشأ في كنف عائلة دين وعلم حرصت على رعايته وتربيته وتعليمه لخدمة آل بيت النبوة عليهم صلوات الله، وآل المحروس طائفة كبيرة عربية شهيرة، يسكنون القطيف والبحرين، وفي النجف الأشرف.(1)

عشق العلم والعلماء وذاب في مجالسهم والاستفادة من معين فكرهم ودروسهم الدينية والتربوية، لازم العلامة الحجة الشيخ فرج العمران (1321هـ – 1398هـ) حضورًا في مسجده ومجلسه، ومرتبط بالدراسة النظامية حتى اتجه للنجف الأشرف ليتزود من العلوم فقد حضر بعض المقدمات عند العلامة الشيخ عبد الله الخنيزي (1350هـ – 1931م)، ولما اضطرب الوضع في الحوزة عاد للقطيف وسافر منها لقم المقدسة يكمل بقية المقدمات وقسمًا من السطوح عند العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي (1364هـ – 1440هـ) والشيخ عبد الرسول البيابي (1369هـ – 1949م) والشيخ حسين العمران (1359هـ – 1940م) والشيخ محمد رضا المامقاني (1373هـ – 1953م).

تكرر ذهابه وإيابه طالبًا للعلم والفضيلة حاضرًا عند الشيخ الميرزا محسن الفضلي (1892هـ – 1409هـ) والشيخ عبد الحميد الخنيزي (1913م – 2001م) والعلمين العلامة العمران والعلامة البيابي آنف الذكر قسمًا من دراسة السطوح بالقطيف، وحضر بالنجف الأشرف ثانية عند السيد محمد تقي الخوئي والسيد محمد السبزواري والسيد علي السبزواري والشيخ غلام حسنين الباكستاني، حتى حضر البحث الخارج عند الحجة السيد أبو القاسم الخوئي والحجة السيد عبد الأعلى السبزواري والحجة الشيخ بشير النجفي والحجة السيد علي السيستاني والحجة الشيخ الشهيد الميرزا علي الغروي، ثم استقر ببلده وعلى فترات متقاطعة حضر بقم المقدسة عند الحجة الشيخ الميرزا جواد التبريزي والحجة السيد محمد صادق الروحاني.(2)

تزوج من الحاجة السيدة بتول السيد عدنان السيد علي الخباز، وأنجبت له أربعة أولاد أكبرهم الميرزا الشيخ فاضل والميرزا علي والميرزا محمد جواد والميرزا حسين، والبنات زينب ودعاء.

صار خطيبًا بارزًا مميزًا بارعًا، زاول تدريس المقدمات والسطوح العالي، وأيضًا درس البحث الخارج فترة من الزمن، تولى إمامة صلاة الجماعة بمسجد الشيخ علي بن يعقوب “باب الشمال” بالقطيف داعيًا للخير مع أبحاث كثيرة تضمنتها محاضراته الحسينية والمعارف الشرعية والثقافية الأدبية في مناسبات المعصومين عليهم صلوات الله تجمعين.

وافاه الأجل يوم الأحد 23 ربيع الآخر عام 1443هـ، عن عمر ناهز الست والستين سنة قضاها في العلم والعمل والتعليم والنصيحة، بعد معاناة مع المرض مفارقًا الحياة يحيطه محبوه بلوعة وحسرة، بتشييع كبير يليق بعالم مثله ظهر يوم الاثنين الذي تلا يوم وفاته، فرحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه الله فسيح جناته، لروحه ولأرواح المؤمنين والمؤمنات الفاتحة.


(1) العلامة الشيخ علي المرهون، ك. شعراء القطيف ج1 ص 241.
(2) صفحة رياض العلماء “بتصريف”



error: المحتوي محمي