{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} صدق الله العلي العظيم.
حياة العلماء مصحوبة بالجد والعمل والعطاء المتواصل وعدم التوقف والسير في طريق الخير وفتح أبواب الرحمة والبركات.
من أصعب المواقف في حياة كل منا هي لحظة الوداع، الوداع الذي لا رجعة فيه، يأتينا فجأة من دون تحضير ولا تقديم، وهناك فرق بين وداع ووداع، فهناك وداع بطمأنينة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} ووداع آخر يملؤه الخوف والقلق من مصير لا يعلمه إلا الله الذي هو علام الغيوب.
بينما كنا نتتبع حالة الشيخ الصحية من أهله، قيل لنا: إن الشيخ في تحسن بحمد الله، وبين لحظة انتظار وترقب لأخبار أفضل، فجأة تلك اللحظات الطويلة تحولت إلى حزن بالغ وأسى عظيم، ما أقسى الحياة حينما تسرق منك الأحبة، لحظات مؤلمة ومفجعة. مفجعة القلوب بالفراق، يا لها من خسارة رحيل العلامة ومحراب المسجد والمنبر الحسيني سماحة الشيخ عباس بن علي بن عبد الله المحروس أبو الشيخ فاضل، إلى الرفيق الأعلى، رحل من هذه الدنيا وترك فكرًا وثقافة وعلومًا دينية وحياتية، قضى طوال سنين عمره أمينًا لرسالته التي يؤمن بها تمامًا، وفيًا لفكره العقائدي، لهذا نؤمن أن الرسالة بلغت في أهميتها مبلغًا عظيمًا فقد تخرج على يديه الكثير من طلاب العلوم الدينية، عملاق عرفته لسنوات طويلة من عمري، عندما كنت أحضر جلساته في مجلس والده رحمه الله، ذلك المجلس الصغير لكنه مشعل نور للمسائل الدينية والفكرية، كنا نستمع ونتابع بشغف كل كلمة، فقد كان الشيخ مريحًا وجذابًا للشباب بتواضعه ولطفه وحسن معاملته، فكانت حياته مفعمة بالجاذبية والقرب من الناس، سعى لخير الناس وإسعادهم.
المكانة المتميزة التي تبوأها العلامة الشيخ عباس بين أقطاب العلماء والفكر والأدب، تلك العقلية المنفتحة المستنيرة التي جعلت منه واحدًا من أبرز علماء المنطقة. الشيخ الجليل من العلماء الأتقياء والفقهاء الأعلام، قضى سنوات عمره في خدمة العترة الطاهرة عليهم الصلاة والسلام، والعطاء من منبع القرآن الكريم والسنة المطهرة للمعصومين عليهم أفضل صلوات المصلين، فضائله ومناقبه ومكانته ومعرفته بالعلوم والأحكام الشرعية وعلوم أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، ساهم في نشر العلم الحق، رحل عنا وهو في قمة العطاء، ودوره الكبير في خدمة المؤمنين الموالين، هو في الدرجات الرفيعة، إن شاء الله، هذه المأساة العظيمة والجرح الغائر تحول إلى وقود دافع يرتقي بها في سماء العطاء، هذه إرادة الله عز وجل لا أحد يستطيع الاعتراض على قضاء الله وقدره، فالإمام زين العابدين (عليه السلام) يدعو: “اللهم ارضني بقضائك حتى لا أحب تأخير ما عجّلت ولا تعجيل ما أخّرت لعلمك بعاقبة الأمور كلها”.
شيخنا الجليل (قدّس سرّه) قد أفضى إلى ما قدّم وقدِم على النعيم الخالد، وهو باقٍ في ذاكرتنا بقاء العطاء الحسيني وما قدمه لنا على المنبر عبر سني عمره، نعم ستظل شيخنا في ذاكرة المؤمنين بأحرف من نور، نسأل الله عز وجل أن يتغمد العالم الجليل بوافر رحمته ويسكنه فسيح جنانه، والعزاء والمواساة للعائلة الكريمة ولمراجعنا وعلمائنا وخطبائنا والقطيف عامة، إنّا لله وإنا إليه راجعون.