مع أن منطقة القطيف ولَّادة لعلماءِ الدِّين بكل مراتبهم، لا جديدَ في هذا الأمر، إذا غابَ نجمٌ بزغَ آخر وإذا اختفى سيِّدٌ قامَ سيِّد. إلا أنه في كلِّ مرة يغيب شخصُ أحدِ الرموز الدينيَّة تحت الثرى، وينقص من المنطقة بمقدار ما يقدم ذلكَ العالم من علمٍ ومن عمل لمجتمعه ومن يصل نفعهُ إليه.
عن موسى بن جعفر عليه السَّلام يقول: إذا ماتَ المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاعُ الأرضِ التي كان يعبد الله عليها، وأبواب السَّماء التي كان يصعد فيها بأعماله، وثلم في الإسلامِ ثلمة لا يسدها شيء، لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سورِ المدينة لها.
يوم أمس، الثَّامن والعشرين من نوفمبر ٢٠٢١م، اختار الله إلى جواره أحد رموز القطيف الدينيَّة – العلامة الشَّيخ عبَّاس بن علي المحروس – وترك فقده ثلمةً في سورِ مدينةِ القطيف لا يرممها ولا يسدها شيء. تخشع قلوبنا أمامَ هذا الفقد، مع أن الدنيا لا تُبقى على أحد – عالمًا كان أو جاهلًا – {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} وفقد هذا الشيخ الجليل أعظم من فقدِ غيره في قلوبِ أسرته ومحبِّيه ومن ينتفع بعلمه “ما من أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من موتِ فقيه”.
كل الأمل والرجاء أن يعوضَ اللهُ القطيفَ خيرًا مما أخذَ منها. وأن يعوض الفقيد – العلَّامة – خيرًا من دنياه الفانية. رحمه الله، كان يعظ النَّاسَ في حياته بكلامه وهو اليوم يعظهم في مماته بصمته، فهل من متَّعظ؟!
كنَّا أيها الشَّيخ الجليل نستمع إليكَ في حياتك، واليوم تستمع إلينا نترحم عليكَ في مماتك، وندعو اللهَ أن تكون من ذوي المنزلة والشَّأن الرَّفيع عند الله، اللهم آمين. كنتَ عالمًا ناطقًا تنفع النَّاسَ بعلمك، وكنت ناعيًا تبكيهم على مصابِ أسيادهم، فلك البشرى، ولأهلك وفاقديك والمنتفعين بعلمك أحسن العزاء والخلف.