التعلم والتعليم عمليتان كبيرتان ينتابهما الثبات من جهة، والتغيير من جهة أخرى، ولطالما وضعت وزارات التعليم في العالم أجمع خططًا، وحددت وقتًا لتقييم هذه الخطط؛ رغبة منها في مواكبة المستجدات على الصعيد الفكري (غير المادي)، ومستجدات العالم التقني (المادي)، وكذلك المستجدات على صعيد العلوم الاجتماعية (الاجتماع، النفس، الاقتصاد).
ثمة صعوبات كثيرة تواجه إدارات التعليم في البلدان النامية منها:
1/ البون الشاسع بين الإنفاق الحكومي في هذه الدول، والإنفاق في الدول الغنية، مما يحد من تحقيق بعض الأهداف، ويلغي بعض الأنشطة والخدمات الطلابية.
2/ نقص كبير في تدريب الطلاب على العمل الجماعي وتكوين فريق. ومع إيماننا بضرورة العمل الفردي في مرحلة من مراحل التعليم، إلا أن تقدم أساليب التعليم، خصوصًا في المرحلة الثانوية والجامعة، أثبتت التجارب فيها حيوية عمل المجموعات وفوائدها الكبيرة، ومن الملاحظ أن أبنائنا وبناتنا في دول الخارج ينجحون في إنجاز المهام الفردية، ويخفقون في العمل كفريق.
3/ ميل بعض المعلمين إلى الاستمرار في طرق التعلم الكلاسيكية، وإهمال طرق التدريس العالمية -على سبيل المثال لا الحصر طريقة التعلم بالاكتشاف، وطريقة التدريس الاستقرائية، وطريقة تدريس المفاهيم (نموذج هيلدا تابا)، وطريقة تدريس المفاهيم – لا يقربنا من الأهداف الكلية العليا، ولا يساعدنا بوضع طلابنا محل المنافسة عالميًا وهناك العديد من الطرق التي يمكن استخدامها في سبيل توصيل المعلومة للطلاب إلى درجة أن بعض التربويين أوصلها إلى 100 طريقة، أما المعلم والمؤلف إيريك جنسن فيقرر أن هناك 1000 طريقة لعملية التدريس الناجح.
4/ إهمال طرق التفكير في العملية التعليمية والتعلمية: المنهج المدرسي بمفهومه الكبير والذي يضم في جوانبه الكتاب المدرسي، والمعلم، والبيئة الحاضنة بما تحتويه من أدوات مساعدة في عملية التعليم والتعلم، بحاجة ماسة إلى مساعدة الطلاب وتعريفهم بعمليات التفكير، وكيفية تنميتها.
والحقيقة الابتعاد عن تعليم وتنمية طرق التفكير السليمة، بالنظر إلى مراوحة التعليم مكانه، يساعده مجتمع أنتج وتحجر على قناعات تربوية قديمة يحاول بعض المعلمين ألا يغيرها، ويقاوم التغيير الذي اتبعته الجهات المشرفة على التعليم في طريقها لتطوير المنهج، واليوم بفضل الله تعالى، وبفضل حكومتنا الرشيدة، وفضل العلماء والمفكرين التربويين، الذين يجهدون لتطوير المنهج التربوي والتعليمي في مدارس المملكة العربية السعودية، نلاحظ أننا بدأنا بوضع بعض المناهج التي تهتم بعمليات التفكير؛ لمساعدة الطلاب في المضي قدمًا في المسار التربوي، ومعالجة المشكلات والعوائق بشتى أنواعها التي تقف حائلًا بينه وبين تحقيق أهدافه.
ما هو نمط التفكير لدى طلابنا؟
لقد كان ملفتًا للنظر النتائج التي توصل إليها الباحث العربي سليمان عبد الله بالاشتراك مع الباحث الأمريكي المعروف باول تورنس، عن اختلاف أنماط التفكير بين كل من الطلاب الأمريكيين واليابانيين والعرب، فوجد أن الطلاب اليابانيين حصلوا على أعلى درجات التفكير في الجزء الأيمن من المخ حيث يغلب على تفكيرهم الحدس والتفكير الإبداعي، بينما حصل الأمريكان على درجات فيها تكامل بين المخ الأيمن والأيسر، فيما حصل الطلاب في دولة عربية على أعلى درجات في سيطرة الجزء الأيسر من المخ (Soliman&Torrance 1986) والذي يتعامل مع المعلومات اللفظية والتجريدية، وآراؤه تأتي في ضوء ردة الفعل على الآخرين وعادة ما تكون تابعة، فما هو دور الجزء الأيسر وما هو دور الجزء الأيمن من الدماغ؟
إننا هنا أمام تحدٍ كبيرٍ، الحل فيه لا يمكن أن يتأتى بصورة انقلابية، إنما بصورة تربوية تعتمد على تكثيف الدراسات الميدانية، كما أن الواقع ومهما كان سيئاً من خلال نتائج هذه الدراسة، فلا يجب أن يعمينا ذلك عن كل إيجابيات الطالب العربي. إن تحريك جانبي المخ هو الأفضل، ولكن جانبًا منه أيضًا يفيد في جوانب محددة تبعًا للأهداف المرسومة.
كيف ومتى يمكن تغيير نمط التفكير لدى طلابنا؟
السؤال المطروح هو كيف يمكن أن نغير نمط التفكير لدى طلابنا؟! والجواب على ذلك لا يمكن أن يتغير هذا النمط بمبادرات فردية من قبل بعض المعلمين تصطدم بنظام لا يرى ضرورة تغيير هذا النمط، كما أن الأغلبية الكبيرة من المعلمين تحمل نفس نموذج الطالب بشكل مكبر، من هنا أصبح من الضرورة بمكان النظر إلى تغيير نمط المناهج وطريقة التعامل مع الطالب، وفق ما تجدد في العلوم التربوية في العالم، ووفق النتائج التي ظهرت على علم جديد يمكن أن نطلق عليه علم التفكير، والبعض الآخر من العلماء يطلق عليه مهارات التفكير، وأهمهم العالم الشهير دي بونو، الذي نادى ومنذ زمن بعيد إلى التعامل مع التفكير كأي مهارة أخرى.
هل الدماغ ينقسم إلى قسمين أم أكثر؟
الدماغ البشري هو واحد في الأصل، وسيظل واحدًا مع تعدد النظريات المتعلقة به، لقد كان الناس والعلماء والفلاسفة ينظرون إلى الدماغ على أنه وحدة واحدة إلى أن جاء العالم Roger W. Sperry (روجر سبيري) والذي حاز على جائزة نوبل في عام 1981، بينما كان يدرس ويبحث آثار داء الصرع اكتشف روجر أن قطع الجِسم الثَّفني أو الجسم الجاسئ -corpus callosum – (مجموعة من الألياف العصبية التي تربط نصفي الدماغ ببعضهما البعض) يمكن أن يُقلل ويمنع نوبات الصرع.
فهل يمكن أن يقبل العالم الشرق أوسطي هذه النتائج ببساطة دون معوقات؟ الدكتور باسل عبد الجليل صاحب كتاب (من كيمياء الدماغ إلى التعلم والإبداع) يرى من جانبه أن كثيرًا من تخلف طلابنا العرب عن الآخرين راجع إلى عدم إدراكهم لتركيبة الدماغ وماهية الكيميائيات الداخلة في تغذيته، وانعكاسات زيادة بعض الأغذية أو نقصانها على الدماغ وفاعليته، لم نشأ الكتابة عنه في الوقت الحاضر. إذ وعلى الرغم من أهميته إلا أننا لا نود الحديث عنه، إنما الحديث منحصر في الأمور العامة من هذا الموضوع قبل الدخول في التفاصيل.
الدماغ الثلاثي لماكلين: وعلى الرغم من أن سبيري صاحب نظرية النصف الأيمن والأيسر من الدماغ فاز بجائزة نوبل إلا أن النظرية قد تخطاها الزمن وقد خرجت بعدها نظريات أخرى، إنما نناقشها كعرف تاريخي ودراسي، نأمل أن نطل في مقال آخر على النظريات الأخرى. فهناك نظرية وصلت إلى تقسيم الدماغ إلى ثلاثة أقسام مثل نظرية الدماغ الثلاثي MacLean (ماكلين) الذي يرى أن هناك ثلاثة أدمغة في رأس الإنسان، وفق الترتيب التالي:
1/دماغ الزواحف
2/الدماغ العاطفي أو الحوفي
3/الدماغ العقلاني أو القشرة المخية الحديثة
وهناك بوصلة الدماغ لهيرمان الذي يقسم الدماغ إلى أربعة أقسام، وبناء على هذا التقسيم، يتم تصنيف الموظفين لما يناسب نمطهم وتفكيرهم، عندما يجرى عليهم هذا المقياس.
يبقى أن نقول في آخر المطاف إن هذه النظريات ما هي إلا محاولات لدراسة أوضاع الإنسان في مختلف المواقف، إلا أن الواقع يقول إنه لا يمكن أن يقوم نصف دماغ إنسان بكل الإمكانيات من دون الحاجة إلى النصف الآخر.
ينشر هذا المقال بالتزامن مع ( مرافئ الارشاد) الخاصة بالكلية التقنية بالقطيف