ما بين مسافات «حُزنائيل» عنفُوان دهشة السُؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الحُضور الجميل، الشُّعراء المُبدعون تحية طيبة، تزهر بالعُرفان لكُلّ هذا الإبداع، الأستاذة الشَّاعرة المُتألقة فاطمة الدّبيس، مُتطفلًا على بوحك، سأكون، لا لأضفي جمالًا، بقدر أنّي أسرق الجمال، لأجدني، لطفًا، لتمنحي أمثالي الإذن في ذلك.

في بداية هذه الورقة التَّأملية، سؤال، يجتاحني، مفاده: هل ثمَّة حُدود للحُبُّ؟

سُؤال قد يشي بالغرابة، أو قد يُثير التَّهكم؛ لأنَّه يأتي أمرًا عاديًا، يتناوله الشُّعراء في قصائدهم، والكُتاب بمُختلف ألوانهم، ويعيشه الآخرون، من ليس لهم علاقة باليراع، إنَّه موجود، ليس كجزء، يأخذ حيزًا من الفراغ، يخضع إلى الحواس، ولكنَّ وجوده، يكمن لما يُشير إليه من خلال الأثر، النَّاتج عنه.

عبر هذا التَّساؤل، فإنَّ الحالة الكتابية، وإن اختلفت في طرحها، يأتي الحُبُّ، البوصلة التي تُحرك أصابعها، لتُعانق نبضاتها، أفكار الشَّاعر ورؤاه.

وعليه، كيف نقرأ الحُبَّ في “حُزنائيل”، كحالة عشقية؟

وفي الإجابة عن السُّؤال، فإنَّ الحُبَّ في “حُزنائيل”، لا تحُده المسافات، مُنطلق باتساع الأفق عرضًا وطُولًا، وهذا ما أوجزته الشَّاعرة فاطمة الدّبيس في “ذكريات امرأة مُبعثرة”.

تقُول: “(ابنة اللَّحظة)، التي تُتقن فنَّ الحياة، تعيش وهلتها الرَّاهنة كما يُريد قلبُها، وأنىَّ أراد قلبها، كانت، هكذا جاءت كلماتي..”.

هي، تتخذ من الحُبّ المُحرك الأساس لكُلّ الفعل الكتابي، البوح الذي يعتريها، لتُسقطه في قالب الأبجدية، بكُونها تُمارسه، كحالة شُمولية، لا تتعلق بالرجل فقط، ولكن تتعداه إلى الزمكانية والماورائيات.

إنَّ الإنسان إذا ما أتقن فلسفة اللَّحظة، وكيف يتغلغل فيها بكُلّه، ليعيشها، تأتي أبجديته، كأنَّها الصُّورة الأخرى، لما يتشحه من الجسد، ومن الذَّات، فكُلَّما اخترقها، لا تُفارقه، كالرَّعشة ذات لقاء عابر من الدّفء الحميم، لعينين واسعتين، تظلّله وجنتيَّ طفلة، تشتعل احمرارًا، إنَّه الانصهار.

تبُوح في “تاريخ متناثر في هاتف مكسور”:
هكذا خلقني الله.. حرف عربي لا يستطيع أن يُغادر معجمه، حرف نمى وأنمى وتنامى في قاموس الأبجدية، مُنذ الرَّعشة الأولى التي اعترت طفلة الثَّامنة ، وهي تُقلب ديوان الخنساء، في اصطفاقة أولى بباب الفردوس الجحيمي، حتى الولوج الذَّاهل لهذا العالم من خلال مكتبة جدّها، في لحظة خمر، تُشبه مذاق الحُبَّ الأول.

يتمادى السّكر بي حتى أحاول مُحاكاة كُل قصيدة تقع عليها عيناي، بفطرة الحُبّ المُعتق في قلبي، بالذَّوبان الصُّوفي في كُلّ ما يُقرأ ويُكتب ويُنطق ويُسمع، بي، وأنا لا أكونني إلا عندما أنعتق مني وأصبح دفترًا.

كبرت وكبرت أقلامي، وأصابعي، كبرت حدَّ قصائد موزونة، حدَّ قصص مُكتملة، حدَّ رسائل حُب كثيرة لا تصل إلى أحد.

لذا، فإنَّه يكتب، ليصل إلى الإشباع، فلا يصل، فكُلما اقترب ازداد توهجًا، ليجد أنَّ الحُبَّ شيء، لا يُمكن توصيفه، أو بلوغ ذروته، إنَّما هو تأثيث القلب بالأبجدية، لبعث الحياة فيه، مُجددًا.

يقُول الشَّاعر نزار قباني:
الحُب ليس تشبيهًا جميلًا واستعارة
هو أكبر من صوتي..
ومن إيقاع أحلامي..
ومن حجم العبارة
الحُب في رغوة السُّؤال

إنَّها مشغولة بالأسئلة، تُدخلنا في متاهاتها، وتفتح النَّافذة، لا لتُقدم إجابات، لكنَّها، تشي بما يُّشبهها، تُقحمنا في الاحتمالات، التي قد تكُون الأجوبة، وقد تكُون سُؤالًا، تُلبسه فُستانًا من الأجوبة، تمويهًا، تستلطفه تاء التَّأنيث، الغريقة في الشيء، من خلال اللا شيء، في توظيف لغوي، يُنتج ابتكارية المعنى.

بدأت في “حُزنائيل” البوح من “على حافة وجود لا موجود”، من تلك الظُّلمة جنينًا، تُوصف آنية الفعل، تتفاعل مع وجُودها، عبر الإنسانة التي تكونت في داخلها، تقرأ كينونتها، تُثير الأسئلة، تُحاول استكشاف واقعها، مُرورًا إلى ماهية الأشياء خارج هذا الرَّحم، لتُّمرر رؤيتها إلى هذا العالم، الذي ستُبصره بين ابتسامة الآخرين، الذين هُم ينتظرون، وهي صامتة حينًا، وتصرخ أخرى.

تبُوح:
انفلقت من اللا شيء..
من العدم الموشّى بالأسئلة
وفي موضع آخر، تبُوح:
خلق جديد يُسافر ضدهَّ ليُكونني
مرايا مُتشظية تسلّلت إلى رحم أمي
في مُحاولة سرّية لمُمارسة الحياة
وفي آخر:
يبحث في فضول عن ماهيتي
ذكرٌ؟ أم أنثى؟
ما الفرق؟
ما دمت مُنسلة من رحم الإنسانية

إنَّها تُلمح بالبراءة التي تُبصر بها عالمها الهُلامي، وعالمها الخارجي، بأنَّه لا فرق، أكانت ذكرًا أم أنثى، لتهمس في أذن الذين ينتظرون، بزوغ ملامحها، إلى المُجتمع الذي ستعيش فيه، إلى القيم الثَّقافية التي ستتعامل معها، العادات والتَّقاليد، بأنَّ الكائن البشري سواء في حيثيات وجوده، وما الاختلاف الذي بينهما، إلا اختلافًا في نوعيته، وما يتطلبه ذلك من خُصوصيات نفسية وفسيولوجية، لتؤكّد أنَّ الإنسانية، هي القيمة الحقيقية، التي تمنح الإنسان النُّور، الذي يُبصره الآخرون فيه.

ويكبر السُّؤال معها، مُثقلة به حدَّ القلق الشَّهي، وأكثر، فلا يستطيع الرَّحم، أن يحتضن طفلة، تستهوي الإدراك، لتُعانق الحياة، ويُلامس بشرتها الضَّوء، كأنَّها تُلقي التَّحية، لذلك الرَّحم، لحنان أمها، لصلاتها التي كانت تُؤنسها، حنان ابتسامتها، حتى أوجاعها، التي تلمسها، كشعور، ليس جسديًا، هو أشبه بالطَّيف، لكنَّها، تشعر به، لتُشير هنا إلى هذا التأثر ما بين الجنين وأمه، وهذه العلاقة، التي تؤثر على الجنين، لتُقدم رسالة مُبطنة، بأنَّ علاقتهما، ليس فقط منحه الغذاء عبر الحبل السّري، ولكنه يتأثر بكُلَ ما تُمارسه، وتتعرض له الأم.

تبوح:
حتى إذا ما كبُرت أسئلتي
وضاق عليها رحم أمي
تدفقت زلازلها حولي
فتدحرج طيفي إلى عالم الإنس

وفي “ظل يُشاكس أسئلته” تبُوح:
ظلي يُراقصُني
وأشباح السُّؤال بلغومها تغتالني

الألم حياة..
في الوهلة الأولى، يجد القارئ أنَّ الألم، يستفز يراعها، تُصيغ تراكيبها في سياق، يجعلك، تضع يديك على قلبك، لإحساسك بهذا الألم، الذي تنثره، كما ينثر العُصفور قطرات الماء، بارتعاش جناحيه في الصَّباحات النَّدية.

هل حقًا، إنَّها سوداوية الحالة في مُخرجات بوحها، أم ثمَّة ما يُمثل الإغراء، اشتهاء اللَّحظة العاشقة، لتستريح على دفء لغتها، في استدعاء الخيبات أو ابتكارها، أو توهم وجودها، أو كانت شبه حقيقة، كوجود فعلي؟

تبُوح في “طلاسم على مرآة الجسد”:
مسكُونة بالوهم.. لا مرئية/ من ألف تستفيض رؤايا
والغيب يعبرني هُنا مُتسللًا/ للاَّ مكان يمُّر عبر خُطايا

عطفًا على سؤال البداية عن حُدود الحُبّ، فإنَّ الألم، يأتي توأمًا إلى تجليات الحُبّ، وما يستدعيه من غيبوبة انتشاء، قد لا يمتلك تقنيته، والتَّعامل مع إفرازاته، وقد لا يُتقنه آخر.

عندما يحتاج جسم الإنسان إلى الطَّعام أو الشَّراب، فإنَّه يتألم، مما يجعل الإنسان، يُبادر إلى تناول الطَّعام، أو ارتشاف الماء، بدون الألم، سيفقد هذا الإنسان حياته. إذًا، الألم حياة، وليكُون حياة، يعتمد على ماهية مُعالجته، ليجعله ينظر للحياة بصُّورة أشهى.

برغم كُلّ ما نُبصره من خيبات، إلا أنَّ “حُزنائيل”، ليس سوداويًا، وليست أنثاه حزينة، لدرجة الانكسار في مُقابل الفُحولة، التي كانت يومًا باتجاه الظلّ، إنَّها تشتهي الحُبَّ في الكتابة.

تبُوح في “تشرد في قلب كان الوطن”:
وكنتُ أنا..
أبحثُ عن وهمِ الدفءِ في صُورة المدفأة..
أبحثُ عن ماهية ما يُقال ولا يُقال
إلى أن تبُوح:
أبحثُ عنكَ فيك..
فلا أجدُ إلا بقايا حُبٍ صدِئ.. وقلبٍ لم يعُد لي
افترقنا إذن
عندما عبثنا بالكيفيةٍ والكمّية
عندما أدخلنا مهزلة العقلِ فيما يجبُ ألَّا يُعقل..

إنَّها تشحذ خُطاها في واحة تصويرية، تُخبر عن ذكاء أنثى، أتقنت حكاية الحُبّ، ولا يُساورني الشَّك في أنَّها تبتكر الخيبات، تستدعيها، لتُشبع قلبها بالحُزن، لتُمارس فعل الكتابة، فإنَّ آدمها لم يُفارقها -رُبما- لم يجرحها -رُبما- ولكنَّه لم يستطع أن يتوافق مع عشقها، إنَّها مُنصهرة، ولكنَّه لم ينصهر -هكذا يبدو-.

إنَّ الخيبات، والأحزان، وكُل مُرادف لهُما، تُمثل أدوات، تُشير من خلالها بأنَّها لم تتنفس الإنسانية في الحُبّ، لتهفو إلى إنسانية الأشياء، لتعيش إنسانية الحُزن؛ لأنَّها تتنفس الحُبَّ في ذلك، لتُعيد ترتيب المُعادلة، إنَّها، الآن في “حُزنائيل”، تتنفس إنسانية الحُبّ.

تبُوح في “تراتيل في محراب آمور”:
ماذا إذا أسلمتُ وجهي للذي قتلَ الفُؤاد؟
ونذرتُني للحُب قُربانًا بُعيدَ الموتِ عاد
حتى يُحرَّقَ بالهوى قلبٌ مشاعرُهُ وِقاد
سيَّان في شرعِ الهوى حُرَقُ التَّلاقيَ والبُعاد!
ماذا إذا غنَّاكَ حُزني بابتهالاتِ الحنين؟
وأذابَ اسمكَ كوثرًا بمدامعِ الشَّوقِ اللعين
فسقى بهِ جثمانيَ المبحوحَ في ليلٍ حزبن
كالوحيِ جاءَ مُبشرًا كي يقطعَ الشكَّ اليقين

من هُنا، أرادت الدّبيس أن ننطلق، لنقرأ الحُزن الذي تنتحب على وسادة مُفرداته، بحثًا عن آدمها، عتابًا ضمنيًا إليه، أو تصريحًا، يأتي على شكل ألم، أو شوق له وخزاته، لتجد في وجوده حياة، وفي بُعده “موتان”، موت، لضعف جسدها، الذي يُخلفه الشُّوق، وموتًا آخر، يأتي بافتقاد نسيم العشق، بافتقاد رغوة العيني في أنثى، تلمع عينيها، كُلَّلما أبصرته، وكُلَّما أحست بطيفه، ونبضاته، تتسرب إلى قرطاسها، لتكتبه.

تبُوح في “موتان”:
موتان فيَّ، ونار.. حينما غِبتا/ فارجع إليَّ لتحيا الرُّوح إن عُدتا
واسكب على رئة الأشواق غيثك كي/ تهمي الحياة وصالًا يبعث الموتى

سينمائية الصُّورة الشّعرية..
تمتلك الدّبيس تقنية القُدرة في تنوع الدّلالة، لتجعل المُفردة حُبلى بالمعنى الطَّريَّ في الّلحظة، التي تُريد، كأنَّها وقعت معها عقدًا، لتستجيب لها، كُلَّما أرادت، وهذا يتضح جليًا في بوحها، أكان شعرًا عمُوديًا، أم تفعيلة، أم نثرًا، لتُغرق القارئ أكثر في الصُور الشّعرية، في التَّفاصيل الصَّغيرة، كإغراقه في ألوان قوس قُزح، في نهار غيماته زرقاء صافية، إنَّها تمتلك فخامة الكلمة، واتساع الرُّؤية، ووضعها في مطبخ القلق، لتخرج بهيَّة المنظر، لذيذة الطَّعم، تحتار حينها، أن تتناولها، أم تجعلها أمامك، تُشاغبها كُلَّ حين، لتكتشف اللؤلؤ والمرجان في عمقها، وترشح ذائقتك بماء قوام سياقها المُبهر، الفوق الدَّهشة.

إنَّها تتجه في بعض بوحها إلى التَّصوير الدّرامي، لتضع القارئ أمام مشهد سينمائي، بإمكان كاتب “سيناريست”، اقتناص الفكرة، وتداعياتها الشُّعورية، وتجليات الحالة الواقعية، ليُولد على يديه فعلًا دراميًا، بصريًا، فمن الجنين، إلى حكاياتها النُّثرية، الثَّرية بالدَّهشة والامتاع، والغربلة العقلية، كم، تُجربك، لاقتحام سور بوحها، كمغناطيس، لا تنفك منه إلا إليه.

في زواياها أجدني..
للشَّاعر ارتباط وثيق بالأمكنة، ثمَّة مكان، يشبهه، يتقاطع مع ذاته، تتجلى فيه أفكاره، وتنتشي فيه أسراره، يستعيد فيه أحلامه، أمنياته، قلقه وأوجاعه، ينساب الإلهام قطرات مطر فوق أصابعه، يُناغي الأبجدية، يُسطرها في قرطاسه، لتأتي غُرفتها السَّكن، الذي تهفو إليه، تستغرق في انكشافية تأملية، تُجردها من الحسّ، وفي “حُزنائيل”، للدّبيس غُرفتها، التي تُقاطعها هذيانها.

تقُول الرّوائية أحلا مستغانمي: “ليست الكتابة أوراقًا وأقلامًا وإلهامًا، نصف الإبداع، يتحكم فيه المكان، أمكنة أغرب من أن تخطر ببال”، ” إن الكاتب والإعلامي الفرنسي باتريك بوافر دارفور، له في بيته في الانورماندي شجرة كبيرة حوّلها إلى ملجأ للكتابة”.

وليس المكان فقط، ما له ارتباط وثيق في الكتابة، أيضًا الهيئة، التي يكون عليها، فالبعض قد يلبس أجمل ثيابه، يُضفي عليه من العطر أروعه، يخلق بيئة ما، ليكتب، يختار ألوانًا ما، ليعيش الّلحظة، ليُعانقه الإلهام، ذات تيه.

تقُول أحلام مستغانمي، إنَّ نزار قباني، قال لي يومًا إنَّه كان كُلَّ صباح يتهندم، ويجلس بمُنتهى أناقته أمام مكتبه، دون أن يدري ماذا سيكتب، يذهب إلى الكتابة كما يذهب صيَّاد إلى البحر، دون أن يدري بماذا سيعود.

ثمَّة قلق..
تكبُر الطّفلة، ويكبر معها السُّؤال الدّهشة؛ لأنَّها تحلم، تُسافر بعيدًا، بعيدًا حيث تعجن الخيبات والانكسارات بأناملها، تبوح بكُلّ ما تتمناه، ما تشعر به نتيجة الخُذلان، لكنَّها في هدوء الدَّفقة الشّعورية، عندما يبرد لهيب الإلهام، تسكُن الرُّوح، هُناك ما لم تفصح عنه، أو تُلمح إليه، تبعًا إلى حبكة الماورائيات.

تبُوح في “تاريخ متناثر في هاتف مكسور:
هكذا خلقني الله.. حرف عربي لا يستطيع أن يُغادر معجمه، حرف نمى وأنمى وتنامى في قاموس الأبجدية، مُنذ الرَّعشة الأولى التي اعترت طفلة الثَّامنة، وهي تُقلب ديوان الخنساء، في اصطفاقة أولى بباب الفردوس الجحيمي، حتى الولوج الذَّاهل لهذا العالم من خلال مكتبة جدّها، في لحظة خمر، تُشبه مذاق الحُبَّ الأول.

يتمادى السّكر بي حتى أحاول مُحاكاة كُل قصيدة تقع عليها عيناي، بفطرة الحُبّ المُعتق في قلبي، بالذَّوبان الصُّوفي في كُلّ ما يُقرأ ويُكتب ويُنطق ويُسمع، بي، وأنا لا أكونني إلا عندما أنعتق مني وأصبح دفترًا.

كبرت وكبرت أقلامي، وأصابعي، كبرت حدَّ قصائد موزونة، حدَّ قصص مُكتملة، حدَّ رسائل حُب كثيرة لا تصل إلى أحد.

في ابتعادها عودة، وفي عودتها، ابتعاد، كفاكهة منظرها، يُغري، ولكنَّها ليست في مُتناول يديه، ولا هو في يديها، السَّلة المنسوجة بالخُوص، مُطرزة باخضرار السُّعيفات.

وفي آخر، تبُوح:
أعود..
لذلك الحُبّ الأبعد من مُفردة الحُبّ
الأوفر من فكرة البحر
القائم في النَّفس مقام النَّفس
المُتشجر في الروح حدَّ التَّقمص
أعود..
للرجل/ الحلم

يصف الشَّاعر نزار قباني في قصيدته، التي عنونها بـ”صباحُك سُكر”، ما يُريد قوله، هو ما لم يُقال:
فحين أنا لا أقول أحبك/ فمعناه أني أحبك أكثر
إذا ما جلست طويلًا أمامي/ كمملكة من عبير ومرمر
وأغمضت عن طيباتك عيني/ وأهملت شكوى القميص المعطر
فلا تحسبي أنني لا أراك/ فبعض المواضيع بالذهن يبصر
ففي الظل يغدو لعطرك صوت/ وتصبح أبعاد عينيك أكبر
أحبك فوق المحبة لكن/ دعيني أراك كما أتصور

إنَّه الحُلم، ثمَّة قلق في كُلّ شاعر، في كُلّ قاص، في كُلّ روائي، في كُلّ كاتب، منشأه الحُلم، إذًا، ليحلم كُلُّ هؤلاء، ليُبدعوا أكثر، إنَّهم رائعون.

ختامًا، إنَّ “حُزنائيل”، من المُحزن جدًا تناوله، كجزئية، لكونه يحتوى على أشياء كثيرة، تستحق أن تُوضع تحت المجهر، وبرأيي المُتواضع، لو أنَّ الشَّاعرة فاطمة الدّبيس، تكتفي بهذا الإصدار، لكفاها، فقد أتقنت تاء التَّانيث الكتابة، لتكتب لنا، المُفارقة الجدلية، وهي: ثمَّة شاعر، وشاعر فنان، وما بينهما يطُول الحديث.



error: المحتوي محمي