الإنسان كمرحلة طبيعية قبل البلوغ يبدأ بالميل للبروز في المجتمع، وأن تكون له ذات مميزة ووجود مميز ودور في هذه الدنيا، وهذه الرغبة الكامنة تترجم إلى عدة صور حسب طبيعة الإنسان، وطبيعة المجتمع، وطبيعة الزمن، وطبيعة الأفكار السائدة، فتأخذ صوراً معينة لتحقيق هذه الرغبة، أما أهل الدنيا وأصحاب السلوك المنحرف فإنهم يرغبون بكل ما يجعلهم مميزين عن غيرهم فيتخذون الدنيا وسيلة للتميز الترفعي عن الآخرين، يعني بمعنى التفاخر والتعالي على الآخرين، وهي الصفات التي تجعل الإنسان بنظر الناس مرغوباً في المجتمع، أي يبدو من خلال هذه الصفات مترفعاً متعالياً على الناس.
وهذا الكلام كما يبدو عمومياً، إذ لا نستطيع أن نخصص الكلام أكثر، لأن هذه الأمور متغيرة من جيل إلى جيل، ومن زمن إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، ومعانيها ليست ثابتة، ولكنها كلها تصب في مصب واحد، والغاية منها فقط التفضل على الغير، والتفاخر والتعالي، وهذه ممكن أن تكون سيئة وممكن أن تكون غير سيئة، ولكنه عندما يكون بأساليب مؤذية للمجتمع تكون سيئة، بمعنى أن رغبة الإنسان في التفوق على البشر رغبة محللة بل وعظيمة زرعها الله في نفس الإنسان لغايات عظيمة، لكن توجيهها في مجال السوء في الفرد والمجتمع هو ما يجعلها سيئة، ومثال على ذلك زينة الأولاد وزينة الأشكال، وزينة المال، وزينة السلطة، ومن لديه مال أو أولاد أو حتى مظهر جميل أو شعر جميل مثلاً قد يجعل هذا الرزق مورداً للإحساس بأنه أفضل من غيره، وللتميز والتفاخر في نظره عن الناس بما أعطاه الله.
إذاً فهؤلاء الناس البعيدون عن الله يعيشون في ظواهر الأمور وصولاً إلى سلبياتها دون النظر إلى بواطنها، فهم يعملون لأجل الحياة الدنيا وزينتها لا لشيء آخر إلا للاستمتاع بدنياهم القصيرة، وفي الحقيقة هذه الزينة لا تنتهي عند بعض البشر، وهي مرض نفسي ولعنة، من يتوغل فيها لا يزداد إلا تعباً ومشقة طلباً لزينة أعظم وتنوع أكبر، وهذه الأمور تشغل النفس عن عبادات الله كثيراً، لأنه سوف يحس دائماً بأنه ناقص إلى مرحلة أعلى من ذلك، التفاخر عند أهل الدنيا والسلوك المنحرف مشابه للزينة والمظاهر الجميلة، ولكن بترجمة للسوء أعظم، حيث إنه بدل أن يعمدوا إلى أن يكون المجتمع البشري متقارباً ومتكاتفاً، فإنهم يميلون إلى موارد وأمور معينة تشبع أنانيتهم وتجعلهم في داخل أنفسهم يتفاخرون ويستعلون على غيرهم من الناس ويستمتعون بأنهم أقوى وأقدر وأفضل من غيرهم من الناس، بمعنى أعظم وأوضح من ذلك، أنهم يستمتعون بقوتهم على ضعف غيرهم من الناس.
إذاً المؤمن لا يفخر ولا يتعالى بقوة له على ضعف عند غيره من الناس، إلا ما كان في سبيل الله ورضاه، وهو ليس مورد الكلام، لأن المؤمن غير أناني ينظر إلى أنه بنفسه يرتبط بأولوية عظيمة وهي الإنسانية، أما الكافر وصاحب السلوك المنحرف فالأولوية هو نفسه ذاته، لذلك تراه يفرح بقوته على الضعفاء، والمؤمن يرى أن القوى لديه هي قوة للضعفاء، لأنه ينظر إلى الكل قبل أن ينظر إلى الجزء، ويرى أن الضعيف عند غيره من الناس هو ضعيف عنده، لأنه جزء من الكل، ومن هنا تنحصر غاية التكليف عند البشر فلضيق أفق أصحاب الدنيا يوكلون إلى أنفسهم التي ترديهم إلى المهالك، ولسعة أفق المؤمنين يوكلون إلى أفق عظيم مطلق يأخذ بأيديهم إلى السعادة المطلقة، إذن فالتفاخر هو استغلال سيئ للقوة بكل معانيها واختلافاتها عبر الأماكن والأزمنة، بحيث تسيء إلى المجتمع وتسيء إلى الفرد وتسيء إلى الذات بعد ذلك، وطبعاً المقصود هنا هي أمور دنيوية وليست أمور الدين، والفخر بالدين لأهل الدين هو عبادة الله.