من البحرين.. وصلت لـ سنابس عروسًا على متن قارب.. عفيفة ترحل بعد ١٠٤ سنوات كرّستها في خدمة كتاب الله وأهل البيت

غيّب الموت يوم الجمعة ٧ ربيع الآخر ١٤٤٣هـ، في بلدة سنابس، الخطيبة الحسينية عفيفة بنت علي الضامن عن عمر تجاوز قرن من الزمان عاشته حافلًا بالعطاء في خدمة كتاب الله وأهل البيت عليهم السلام، ومحبة الأبناء والأهل والمجتمع.

وتعتبر الفقيدة الضامن إحدى خطيبات الرعيل الأول في جزيرة تاروت والتي أخذت لها مكانًا لا يمكن لأحد غيرها أن يسده، وامتازت بصوت شجي رنان يبكي الجالسات، وتميزها بطورها العزائي الخاص المنسوب لها وهو “الطور العفيفي” الذي يذكّر من يسمعه بصوت الملا يوسف الجمري من البحرين مسقط رأسها.

وكانت بدايتها في بلدة سنابس بمحافظة القطيف بعد زواجها الأول من عباس علي آل عباس وهي ذات ١٤ ربيعًا، مكللةً في زفة بهيجة عبر لنج (سفينة صغيرة) من مملكة البحرين، من بيت والدها علي الإبراهيم، والذي كان يعمل في صناعة الفخار، وحواجًا يبيع البهارات والأعشاب للتداوي، حيث زوجها بعد أن أحسن تربيتها وعلمها قراءة القرآن، في الكتاتيب البحرينية.

وعاشت مع زوجها آل عباس وأنجبت منه أبناء وبنات، عاش منهم؛ عبدالله، وعبدة علي، ومريم، وبعد وفاته تزوجت علي أحمد الجنوبي، منتقلةً إلى منزل وعائلة جديدين، وأنجبت منه صفية وخديجة، وإبراهيم، وابنتها زينب التي توفيت في عمر السنتين بعد إصابتها بمرض الحصبة، بالإضافة إلى ولادتها عدة أطفال توفوا صغارًا لمشاكل صحية لا يعرف سببها آنذاك.

واتجهت إلى تعلم القرآن ودفعها إلى ذلك حبها لكتاب الله؛ حيث قامت بفتح الكتاتيب في منزلها، والذي جعلت منه مدرسة قرآنية يردها البنات والأولاد إلى سن التمييز، ومارست تعليم القرآن للبنات وتبعته بتعليم قراءة السيرة من “كتاب الفخري” كما جرت عليه العادة، وعليه يتم اصطحاب من ترغب معها إلى القراءة في المجالس الحسينية، ومن اللواتي تعلمن على يديها؛ أنيسة آل ابريه، وزهراء العبيدي، ومريم البحارنة، وزليخة الضامن وملكة الضامن، وسلمى المرحوم، بالإضافة إلى سعاد الضامن وسميرة الضامن.

وظل مقر تعليمها القرآن مكانًا خاصًا في بيت زوجها علي الجنوبي، ولكن لظروف خاصة نقلته إلى منزل الحاج عيسى المرهون، وبعدها استطاعت شراء أرض في حي مدينة العمال في سنابس، وقررت بناءها بيتًا بالطين، إلا أنه لم يسمح لها كون المخطط جديدًا آنذاك، واشترط عليها أن يكون البناء مسلّحًا، مما اضطرها إلى تسويره وبناء غرفة واحدة فقط، فكانت تتخذه مقرًا للتعليم وفي الليل تبيت في بيت زوجها، إلى أن صار منزل ولدها عبدالله وحاليًا هو حسينية كتب على بابها “حسينية عفيفة بنت علي”.

وحملت رسالة الأهل وعشق المجالس الحسينية منذ صغرها حيث تدرّبت على كيفية القراءة الحسينية من السيدة نجيبة إبراهيم الهاشم، التي أولت لها رعاية خاصة ودربتها على قيادة المجلس الحسيني كاملًا أو جزء منه، إلى أن كونت لها مجموعة خاصة عرفت بمجموعة عفيفة وشارك معها منهن؛ زهراء حسن آل سيف، وسلمى المرحوم، وطيبة الضامن، وخديجة سلمان العقيلي، وأم عبد علي المشور، وأم علي الباقر، حيث استلمن القراءة في المناسبات؛ الوفيات ومواليد أهل البيت عليهم السلام، بالإضافة إلى قراءة الفواتح، والنذورات الخاصة والمواليد في الأعراس.

وسُجل للفقيدة وقفات عدة وجادة لمنع إغلاق بعض المآتم الحسينية وتكفلت بالقراءة فيها دون مقابل، وكذلك شراء متطلبات بعضها، حيث كان على رأسها مأتم السيدة نجيبة الهاشم، ومأتم المتوزي، متطوعة بجل وقتها ومالها لخدمة أهل البيت عليهم السلام، ولم يحِل بينها وبين المجالس سوى ضعف الجسد وكبر السن.




error: المحتوي محمي