اشترى أحدُ الأصدقاءِ سيَّارةً جديدة، فيها من الميزاتِ الحديثة ما يفوق أمثالها بمرات! هنأته بها ودعوتُ له أن يستمتعَ بها كما يشاء. بلى في الحياةِ متعة، فيها مركبٌ فاخر للغني، وآخر حَسَن لصديقي – متوسط الدخل – والمعدم إما يركب دابة أو يمشي على رجلين. والأغنى منهم يملك طائرة، ومن يدري ماذا يتوفر في المستقبل من وسائل نقل!
ثم في لحظةٍ ما، هناك مركبٌ واحد “نعش” بنفس المواصفاتِ والمقاييس، يُحملون فوق خشبةٍ عاديَّة خشنة لها أربعة أطراف، لم تصنع في ألمانيا، ولا الصين. ألواح طرقَ نجارٌ مسامير فيها في دقائق، وصنع فيها حزام السَّلامة – حبل يشد من أطرافها شدًّا وثيقا، خوفًا على من فوقها من السقوط! يحمل عليها الغنيّ والفقير والعالمُ والجاهل والصَّغيرُ والكبير والذكر والأنثى، يُدفعون فوقها مجبرون ليس لهم خيار فيما يفعله غيرهم بهم “وارحمني محمولًا قد تناول الأقرباءُ أطرافَ جنازتي”.
صاحب المركبة الفاخرة في الدنيا لا يلتفت إلى أحد والناس منبهرون بجمالها، وراكب الخشبة يكلم الناسَ ويعظهم: “ما من ميت يوضع على سريره فيُخطى به ثلاث خطى إلا نادى بصوتٍ يسمعه من يشاء الله: يا إخوتاه! ويا حملة نعشَاه! لا تغرنكم الدنيا كما غرتني! ولا يلعبن بكم الزمان كما لعبَ بي! أتركُ ما تركتُ لذريتي ولا يحملونَ عني خطيئتي، وأنتم تشيعوني ثم تتركوني والجبار يخاصمني”.
من أغربِ الصور التي رأيتها – وما أكثرها – شبان يأخذون صورة مبتسمين في تشييع جنازة ميت!
تبعَ الإمامُ علي (عليه السَّلام) جنازةً فسمعَ رجلًا يضحك فقال: كأنّ الموت فيها على غيرنا كُتِب، وكأنّ الحقَّ فيها على غيرنا وجب، وكأن الذي نرى من الأمواتِ سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم ونأكلُ تراثهم كأنا مخلدون بعدهم، ثم قد نسينا كلَّ واعظٍ وواعظة، ورمينا بكل فادحٍ وجائحة.
وإذا حملتَ إلى القبورِ جنازةً … فاعلم بأنكَ بعدها محمولُ
تأتي نصائح من بعضِ أصدقائي فيها: في هذا الجو البديع والرائع، لا تكتبوا ما يكدر خواطرَ القراء! اتركوا مساحةً “للفرفشة” والبهجة. وأنا معهم أقول بصوتٍ عالٍ: مرحى “بالفرفشة” والواقعية معًا، فيوم لهذا ويوم لذاك!