من الربيعية.. زهرة الخباز.. خريجة «لغة عربية».. تعلمت الخياطة على يد والدتها.. وبعد الجامعة لقمة العيش حولتها لـ مهنة

أحبت الخياطة منذ نعومة أظافرها خلال مرافقتها لوالدتها في أوقات عملها ومشاهدتها وهي تخيط بعض الملابس على الماكينة، ومراقبتها لها وهي جالسة أمام المكينة وحولها عدد من لفافات الخيوطِ الملونة، وعلى طاولةٍ قريبةٍ منها توزعت بقايا قطع من القماش والدبابيس وملابس للأطفال والكِبار، فأخذت تنمي شغفها بالخياطة من خلال المشاهدة والتعلّم والاكتساب وتقليد أمها.

أول مدرسة
تحدثت ابنة الربيعية زهرة محمد جمال الخباز لـ«القطيف اليوم» عن مدرستها الأولى في عالم الخياطة قائلة: “ربطتني علاقتي بأمي بمهنة الخياطة فكانت هي مدرستي الأولى التي أستلهم منها كل ما هو جميل، فقد كانت أمي تخيط ملابسنا عندما كنا صِغارًا بآلة خياطةٍ قديمة من ماركة الفراشة، تلك الماكينة التي لم يخل منها بيت في تلك السنوات السابقة حيث كانت من الضروريات عند أغلب النساء، وكثيرات هنّ اللاتي أخذنها كمهنة، كما كانت من ضمن الشروط للعروس عند بعض العائلات”.

الخطوات الأولى
بدأت خطوات الخباز الأولى بممارسة خياطة الملابس عندما كانت طالبةً جامعية لاحتياجها إلى عمل بعض التعديلات بملابسها كالقص والتضييق وأثناء ذلك أنجزت عمل بعض الفساتين بطريقة التعلّم الذاتي تحت إشراف والدتها.

أساسيات الخياطة
التحقت بعد زواجها بدورة لتعلم أساسيات الخياطة في جمعية مضر الخيرية بالقديح مدتها ثلاثة شهور كان التطبيق فيها عمليًا على الملابس الخفيفة، وجميع الدروس التي تعلمتها فيها كانت بطريقة استخدام الباترون.

مفاجأة
وكانت هناك مفاجأة في انتظارها بعد انتهاء دورة الخياطة حيث فاجأتها أخت زوجها عاتقة بشراء بعض الأقمشة لتخيطها وتصنع منها ملابس لها، وعن ذلك تقول: “كمبتدئة أخذني الحماس، لكنني قيّمت عملي على أنه غير متقن وأعطيته تقدير مقبول، ولكن عاتقة كانت تشجعني وتقنعني أن عملي جميل وجيد وفي بعض الأحيان كانت ترشدني للطرق التي تجعلني أتقدم في مهارات الخياطة”.

نصيحة لم آخذ بها
وتفصح الخباز عن إحدى نصائح أخت زوجها عاتقة لها بعد أن أنهت دورة جمعية مُضر، حيث أكدت لها استعدادها أن تأخذ ابنتيها فاطمة وزينب للاهتمام بهما خلال مدة التدريب التي تمتد لسنتين في جمعية القطيف أو المعهد الحكومي للخياطة، لكنها لم تأخذ بالنصيحة مُرجعة ذلك إلى تعلقها بابنتيها لصغر سنهما.

الانتظار وتحقيق الشغف
ورغم أن الخباز تخرجت في جامعة الدمام عام 1423هـ بتخصص لغة عربية إلا أنها لم تقف عاجزة خلال سنوات انتظار الوظيفة التي طالت فبحثت عن شغفها ووجدته في الخياطة.

شخص يدفعك للأفضل
وعن الصعوبات تقول: “في الأزمات هناك من الأشخاص مَن يساعدُك على تخطي العقبات لتُخرج أفضل ما فيك، ويُشجّعك ويمنحك الثقة بالنفس، وهذا ما لمسته من أهلي وأهل زوجي فقد كانوا الداعمين لي منذ بداياتي، وإلى الآن دعواتهم القلبية تحيطني وتشجيعهم يدعمني”.

الداعم الأول
وأكملت: “إننا كأشخاص مبتدئين نحتاج دومًا إلى داعم يحثنا ويشجعنا ويمدنا بالطاقة الإيجابية فالدعم المعنوي مهم وكذلك المادي، وأنا وجدت داعمي الأول وهو شريك حياتي ونجاحاتي الذي وقف معي منذ بدء افتتاح مشروعي عام 1423هـ بجميع المراحل، فكان يذهب معي للتسوق أسبوعيًا في إجازته لأشتري بعض المستلزمات التي أحتاجها، وعندما تطورت مهاراتي في الخياطة سافرت معه إلى الهند وأخذت بضاعة كبيرة من فساتين وبدلات وإكسسوارات، لقد ساعدني في مشروعي بجميع احتياجاته”.

إيمانك بشيء تحبه
وتعتبر الخباز أن إيمان الشخص بشيء يحبه يجعله يسعى في سبيل تحقيقه، مؤكدة أن شغفها بالخياطة هو ما دفعها للتعلم بشتى الطرق والوسائل التعليمية من خلال التعلم الذاتي والتدقيق على بعض التصاميم من المجلات أو الصور لتنمية شغفها.

وقالت: “إن العمل ليس بالأمر السهل فهو يحتاج إلى جهد ووقت وتضحية وكذلك إلى الاهتمام وعدم الاستعجال ليكون عملًا مميزًا يتم عرضه على العملاء”، مضيفة: “لقد كنت أعمل وأُطبِّق الموديلات وأجلس للتفصيل والخياطة لساعاتٍ طويلة جدًا بُغية الحصول على الإنتاج المضبوط”.

ماكينة الفراشة
وتذكرت الخباز أول ماكينة استخدمتها وهي ماكينة الفراشة الأصلية القديمة، مشيرة إلى أن سعرها كان يقارب آنذاك 300 ريال ولكنها غير متعددة الاستخدامات ولا تتحمل الجهد الكثير.

وعن معرفتها وخبرتها في الماكينات قالت: “لقد أصبحت لديّ الآن معرفة وخبرة من خلال عملي في الماكينات، فلقد استخدمت عِدة ماركات ومنها ماكينة جانوم (خياطة وتطريز)، ويوجد منها الأصلي والتقليد، ولا يعرفها إلا من لديه خِبرة في عالم الخياطة، وهناك الماكينات الصناعية الكبيرة والسريعة، وماكينات السرفلة والتي يوجد منها أنواع متعددة”.

أول الإنجازات
ووصفت تحقيق الإنجاز بأنه شعور جميل لا يستشعره إلا من تعِب وسهر وأعطى من صحته ووقته لإتقان عمله، مبينة أن أولى إنجازاتها والتي لاقت إعجاب الزبائن كانت مجموعة عينات تم عرضها للبيع منها؛ إحرامات الصلاة والحج وملابس ودشاديش (فساتين البيت)، معتبرة الإنجاز الأول إشارة لإنجازاتها الجديدة المتنوعة في خياطة الفساتين والمراييل وأزياء التخرج للطالبات التي كانت دائمًا تشعرها بالجمال والمتعة عندما كانت تراهن وهن يرتدينها في حفل التخرج.

الموازنة بين البيت والعمل
ونبّهت الخباز إلى أنّ الموازنة بين البيت والعمل قائمة على إدارة الوقت وتنظيمه فلا يمكن أن يكون هناك نجاح وبركة للوقت من دون إدارته؛ لأن العمل يحتاج إصرارًا ومثابرةً، مبينة أن عملها يبدأ من الرابعة عصرًا حتى التاسعة ليلًا في استقبال الزبائن، أما الصباح فيكون وقت الخياطة وعمل البيت، وهذا ما جعلها تقلل كثيرًا من الزيارات العائلية وغيرها إلا في حالات الاضطرار.

رضا العملاء
وأكدت أنَّ الناس مختلفو الأمزجة ويحتاجون إلى بال طويل لأجل خدمتهم وتنفيذ طلباتهم ونيل رضاهم، وقالت: “قد تحتاج في بعض الحالات كصاحب محل إلى التنازل حتى وإن كانت تكلفك الخسارة المادية لأسباب عدة، ومنها؛ تردد الزبونة في اختيار نوع القماش أو التصميم أو غير ذلك”، متابعة: “ما يهمني هو الجودة في اختيار الأقمشة والأدوات للعملاء فالسوق مليئة بخامات متعددة منها الجيِّد والرديء والأسعار متفاوتة”.

من مناطق متعددة
وكشفت الخباز أنَّها لديها الكثير من الزبائن من مختلف المناطق كالجبيل ورأس تنورة والدمام وسيهات والقطيف وتاروت يأتونها لثقتهم بجودة المنتج والعمل، مضيفة أن هذا يعتمد أيضًا على طريقة التعامل والإخلاص والأمانة التي يسعى لها كل صاحب مشروع يسعَى للأفضل.

تدريب وهدف
وقادها عملها وممارستها للخياطة خلال سنوات طويلة إلى تدريب مجموعات نسائية بهدف رفع المستوى المهني النسائي ورغبةً في أن تكون لديهن مهنة تدر عليهن دخلًا من عرق جبينهن تُمكّنهن من إعالة أسرهن، بالإضافة إلى تنمية مهاراتهن ومواهبهن التي من خِلالها ترتفع نسبة الأسر المنتجة في المجتمع القطيفي.

وذكرت أن أعداد المتدربات اللاتي تدربن على يديها من نقطة الصفر حتى وصلن إلى مستوى الإنجاز كثيرة جدًا، وكانت تدربهم بطرق متعددة وسريعة وبأساليب مبسطة في التدريب خطوة بخطوة.

وظيفة وهواية
وبيّنت الخباز أن العلم والعمل لا يقتصران على مهنة واحدة بل بمهام متعددة يمكن حصد نجاحات أكثر، وتقول: “ليس هناك سعادة أكثر من أن يرى الشخص إنجازاته يثنى عليها من قِبل متدربيه، وهذا ما جعلني أشعر بالسعادة عندما رأيت أنّ أغلب الملتحقات بدوراتي هن ذوات مهن كالمعلمة والطبيبة ومربية رياض الأطفال، وغيرهن كالطالبة والخريجة وربة المنزل، وهذا ما يدل على أن النساء لهنّ مواهب متعددة ولديهن حب المعرفة والتعلم والعطاء وصناعة الفرصة لأن يكنَ شخصيات مميزة ومهتمة بالمهارات الحياتية”.

وأردفت بأنه كان للمتدربات الكثير من الأعمال المنجزة أثناء التدريب كالفساتين والتنانير والبيجامات، وقد تم عرض إنجازاتهن في صفحة الإنستغرام الخاصة بالمشغل تشجيعًا لهنَ.

هدف وتشجيع
وأشارت الخباز إلى أنّ الحياة علم وعمل ولا يمكن تحقيق الأهداف إلا بالعلم والإصرار وتحدي العوائق، موجهة بعدم التوقف عن الحلم والطموح مهما يكن، قائلة: “أشد على أيدي الفتيات وأشجعهن على عدم التوقف؛ فالنجاح لا يولد من فراغ بل يكون بالتحدي والمثابرة، وأنا من اللواتي يعشقن الاستمرار ومواصلة الدرب”.

وبالنسبة لطموحاتها وما تحقق من أهدافها ذكرت الخباز أنه قد تحقق جزءٌ من أهدافها ولكنها مازالت تطمح لأن تحقق ما تبقى منها، مبينة أنها تتمنى أن يكون لديها مركز يحوي كل ما يخص عالم الخياطة والأقمشة والتطريز بأقسامه المتعددة من تصميم وماكينات خياطة وتطريز، وقسمٌ للعبايات والفساتين والإكسسوارات وكل ما يلزم هذا المجال المهني.

تأثير جائحة تحدثت الخباز عن تأثير جائحة كورونا على عملها، قائلة: “كان لكورونا الأثر السلبي على مركز الحوراء عام 2020 فقد أوقفت العمل لفترة طويلة وعطلت الإنتاج والدخل بشكل عام، وقد خطر ببالي بيع المشغل، فقمت بعرضه للبيع لفترة لكنني لم أجد في ذلك الوقت أحدًا يرغب بشرائه، ولا يعني قراري هذا أنني قد تنازلت عن طموحي وجهدي وتعبي طوال هذه السنوات، وإنما الحاجة في بعض الأحيان تفرض علينا أمورًا كثيرة”.

وتنفست الصعداء وهي تقول: “بعد جهد وتفكير عميق اتخذت قراري الأخير؛ فتم إلغاء بيع المشروع وبدأت مجددًا بالتطوير لأعوض خسارة العامين الماضيين، وقمت بترتيب أوراقي وأفكاري والاستعداد لتفصيل الزي المدرسي وأزياء الروضات وتجهيز الأشياء المطلوبة للسوق استقبالاً للعام الجديد”.

سلبيات وإيجابيات
وعبرت عن رؤيتها قائلة: “إنّ لكل شيءٍ في هذه الحياة جانبًا مضيئًا وآخر مظلمًا، وأن لكل مهنة سلبياتها وإيجابياتها وهذا لا يعني أن نستسلم عند الضعف أو الانكسار أبدًا بل يجب علينا أن نصمد أمام العواصف التي تحيط بنا لنثبت لأنفسنا ولمن حولنا أننا قادرون على تخطيها”.

وواجهت الخباز الكثير من المصاعب خلال مشوارها كغيرها من أصحاب المشاريع، ولكنها فضلت عدم ذكرها لأنها مضت، مؤكدة أن تلك المصاعب أعطتها دروسًا عميقة جعلتها تتعلم كيف تعالج الأمور بحكمة، ووجهت نصيحة لكل من يطمح إلى تحقيق هدفه قائلة: “عليك بالصبر والتوكل على الله، فكلما قدمت لمشروعك عاد عليك بالنفع والفائدة أكثر”.

نصيحة من القلب واختتمت الخباز حديثها بنصائح أخرى قائلة: “أنصح كل أحد بأن يجتهد ويعمل أيًا كان عمره، ولا يترك وقتًا للفراغ أو اللهو أو يضيع وقته بلا فائدة؛ فمجالات الإبداع والفنون كثيرة؛ كالرسم، والخياطة، والتطريز، والحناء، والرياضة، والطبخ، والتصميم، والديكور، والسباحة، وتعلم اللغات، وحفظ القرآن وغيرها، فالممارسات في كل شي منها ما هو مفيد”، منوهة بأنه لابد من مواجهة الصعوبات والعقبات والإخفاقات، ولكن مع الجد والاجتهاد والإصرار يصل الإنسان إلى هدفه ومبتغاه.




error: المحتوي محمي