من يصنع الفوضى؟

قال تعالى: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} [الحجر 19].

متى غابت الضوابط سيطرت الفوضى والإنسان يسعى بفطرته أن يبتعد عن بواطن الفوضى ومنابع الإزعاج ما أمكن، إلاّ إذا كان قدره أن يولد ويعيش في منطقة مكتظّة بالناس والسكان أو أن تكون ثقافة أفراد المجتمع بسيطة ومتدنّية ولا تراعي حقوق الآخرين بالهدوء والراحة، حيث الإزعاج لا يولد بذاته وإنما يلزم من يعمله ويتعامل معه بقساوة وتكبّر كما يجري من سائقي السيارات والدرّاجات الشبابية المعدّلة والحركة وسط المناطق التجارية والمستشفيات والدوائر المختلفة حال عدم توفّر مسارات ومواقف كافية، ويشمل ذلك فوضى دخول وخروج الطلبة والطالبات من المدارس وترك الأحذية بشكل عشوائي في مداخل المساجد والمجالس والازدحام في المحلات التموينية والتجارية التي تطرح عروضاً تصفها بأنها مغرية وازدواجية حركة السير في شوارع عرضها محدود ومع ذلك يوقف سكان الحي سياراتهم على الجانبين. والجدير بالذكر أن هناك أعمالاً واجِهتها أنها خلّاقة يمكن أن تدرج مع الفوضى حال تواجدها في زمان أو مكان غير مناسب مثل غرس الأشجار منتصف الشوارع قرب التقاطعات ومنافذ الدوران.

يبكي الطفل الرضيع أثناء قيام الأمّ بأعمالها التطوّعية من طبخ وغسيل وتنظيف ويتعامل معلّم الصفوف الدنيا بغلظ مع الأطفال فيتيهون ويبكون ويعتدي طالبٌ على زميله ويحدث الشجار والجراح ويخرج الابن بعد تناول وجبة الغداء إلى اللعب مع أصدقائه تاركاً واجباته مخالفاً توجيهات والديه، ويسجل الطالب في الجامعة ويختار زملاؤه تخصصه بل يسافر بعيداً للتسجيل في جامعة أو كلية اضطر صديقه التسجيل فيها ويواجه الطالب الجامعي ثقل المواد والواجبات مما يضطرّه إلى تناول الوجبات السريعة والمراجعة السطحية وطلب المساعدة المتكرّرة. ولا جدال أن وضع الموظف ليس بأحسن حال حيث يترك زميله العمل لسويعات طالباً منه تغطيته والتسويف في إنجاز أعماله مبرّراً بضعف التقدير وغير مبالٍ بالمراجعين الذين يترجّونه إنهاء عمله دون تأخير، كما يصنع المدير الفوضى بتفضيل المحسوبية وتوظيف غير المؤهلين الذين يحدثون ضجيجًا.

ثمّة التزام -وقتي أو دائم إجباري- للقوانين من الزوّار والمغتربين عند تواجدهم في الدول المتقدّمة كما داخل أروقة الشركات والمؤسسات التي تغرّم المخالفين وهذا الأمر مدعاة للبحث والدراسة عن مدى رسالة الضوابط وأثر الغرامات على السلوك الفردي داخل مجتمعه وخارجه حال عدم قناعته بإنسانية هذه الضوابط مما يضطّره إلى التقيّد بها كما يعتقد مرغماً ويكون منها في حلٍّ متى ما بدى الأمر تحت هواه، فهذا التناقض قد يترك بصمة لا تغيب عن عين طفل أو متابع يرى اللّونين المتناقضين من ذات المصدر. ولا يمكن الرضوخ إلى الحرية الزائفة التي تستخدم ضمن أدواتها الإساءة وإزعاج الآخرين والتعدّي على الضوابط والقوانين التي سنّت لتنظيم الأمور وترتيبها ضمن مبادئ الأخلاق الإنسانية.

مما لا شكّ فيه أننا لسنا مختلفين عن بقية الشعوب التي تلتزم بالضوابط في جلّ مناهج حياتها وأن تلك الشعوب والقبائل كافحوا وقاوموا وبذلوا الجهد المركّز حتى يغرسوا ثقافة الالتزام التي بها صلاح وفوائد للناس وواجهة أخلاقيّة وإنسانية مضيئة، وعلينا ألاّ نسلب الناس أشياءهم وتميّزهم وتقدّمهم في نظم أمورهم مع أن ديننا الحنيف والسنة النبوية المطهّرة أوصتنا بذلك ولكن هنا بونٌ ساشع بين القول الجميل والعمل الفوضوي اينما كان.

إن تنظيم الأمور والالتزام بالضوابط عمل فردي بالأساس ومن الأفراد يتكوّن المجتمع وتنتشر الثقافات الرائدة وتقوى أساساتها التي عليها تقف شامخة الأجيال القادمة، والجدير بالذكر أن نقل الثقافة يتم بمشاهدة ومناقشة العمل وليس بالقراءة والقول الفخم.

ومن أجل التغلب على الفوضويات بشتى أشكالها أدناه بعض التوصيات:

1. إعداد ميثاق منزلي يحوي ضوابط سلوكية والتعاون في الأعمال المنزلية بمشاركة جميع أفراد العائلة.

2. وضع ضوابط المسؤولية التعليمية الفردية والعائلية في المدرسة والمنزل.

3. عدم التسرّع في الرد وقبول الرأي الآخر المحترم.

4. تحديد المجالات المنهي عن الخوض فيها، وتجنّب مواقف بها إزعاج للآخرين.

5. المناقشة والاتفاق على كيفية اختيار الأصدقاء وحدود الزيارات.

6. الالتزام بالضوابط والقوانين والحذر التام من المخالفات والغرامات.

7. اسعَ إلى أن يكون لك دور إيجابي في المجتمع.

8. الإخلاص فيما يسند إليك من مهام وأعمال.

9. احترام الكبير والعطف على الصغير.

10. رضا الله سبحانه وتعالى في كل قول وعمل.

يبدو أننا يمكننا أن نتغلب على الفوضى متى قاومنا الفوضويات الذاتية ويصعب طريق المعالجة متى بحثنا أولاً عن ما نسميه فوضى الآخرين، فاللهم اهدنا.



error: المحتوي محمي