مهما كان عمرك.. تحرك الآن وابدأ المشي.. ابدأ الحياة  

منذ القديم والإنسان يواجه الحياة متحدياً الطبيعة بما لدى جسمه من قوة بدنية، وبما لدى عقله من قدرات فكرية.

تمكن العلماء من معرفة بعض الوسائل التي يمكن عن طريقها رفع الكفاءة الدفاعية – والهجومية – للأسلحة المقاومة ضد مختلف الأمراض في الجسم، وتلك التي تضعف قدرتها كحصن منيع ضده، هذه الدراسات أثمرت عن حلول عدة، من بينها المداومة على تناول الأغذية التي تدعم مقاومة الجسم ضد الأمراض والممارسة المستمرة للرياضة البدنية، والتغلب على الإجهاد ومتاعب العمل وهموم الحياة، وكلها عوامل ترفع – بإذن الله – من كفاءة الجهاز المناعي، فالغذاء الكامل يوفر للجسم العناصر الغذائية التي يحتاج إليها لبناء أنسجته ونموها ووقايته من الأمراض، واللياقة البدنية يحتاج إليها الإنسان حتى آخر عمره، فهو بحاجة ماسة إلى تنمية المرونة وتقوية المفاصل والأربطة لكي يقوم الإنسان بأعماله اليومية على خير وجه والابتعاد عن أهم أمراض اللياقة وضعف العظام.

سيرة ذاتية للجسد
إن جسدك أشبه بسيرة ذاتية متنقلة، حيث يعكس التكوين من عضل ولحم، تجاربكم وإصاباتكم ومصادر قلقكم وهمومكم ومواقفكم سواء كانت وضعية جسدكم مقوّسة ومشدودة أو منتصبة ودفاعية فإنكم تتعلّمونها في مرحلة مبكرة من حياتكم فتصبح من صلب بنيتكم، فنحن نخزن مشاعرنا وتجاربنا وذكرياتنا ليس في عقولنا فقط، بل في أجسادنا وفي خلايانا وفي جلودنا وبكل جزء من جسدنا.

وجميعنا يعرف أن كل عضو من الجسد له دور يلعبه حتى لو كان دورًا صغيرًا جدًا، بحيث أنه عند حدوث خلل في أي جزء من الجسم فذلك يؤثر في الجسم برمته.

دعوة للصحة ورفع الكفاءة البدنية
فوجئنا بـ “دكتور جامعي” يعمل محاضراً في إحدى جامعات المنطقة، ينطلق مع شروق الشمس على ظهر دراجة هوائية في طريقه إلى مقر عمله، اعتاد على قيادتها ذهاباً وإياباً أكثر من خمس سنوات، وجد في تنمية وتقوية العضلات؛ المتعة والفائدة والإثارة والأهمية العلاجية، فالتغلب على ضعف الجسم والترهل وحمايته من العلل والأمراض والمشاكل الصحية وإعطائه اللياقة البدنية، هو هدف وقائي، يهدف إلى تحسين صحة الإنسان التي هي أغلى وأهم ما يمتلكه في حياته الدنيوية.

كن دائماً في نشاط وحركة
فمن المعروف أن المياه الراكدة لا تصلح للحياة، لأن ركودها يسلبها عناصر الحياة التي تتجدد بتحركها المستمر كما تتغير رائحتها ولونها وطعمها، كذلك الأمر بالنسبة للجسم البشري الراكد، حيث يكون غير قادر على الحياة الصحية السليمة.

الأشخاص الذين يعانون آلامًا يتجنبون غالبًا ممارسة أي تمارين، لأن الحركة تؤلمهم كثيرًا، إلا أن عدم الحركة من شأنه أن يزيد الحالة سوءًا.

يقول د. Sal Fichera اختصاصي فسيولوجية التمارين، إن الجسد البشري جبل على الحركة الدائمة، فإذا ظل في حالة من السكون وعدم الحركة فإنه يضمحل، ومن ثم فإن النشاط يساعد على إطلاق مركبات في الجسم تغير من الحالة النفسية، وهو ما قد يساعد بدوره على الحد من الشعور بالألم.

الدافع للثمن هو أنت..!
العجز ليس بالضرورة أن تكون جزءاً من الشيخوخة، وكما يعرف كثير من الخبراء المتخصصين بتمارين العلاجات الطبيعية، فإن نشاطات بسيطة مثل المشي لشراء بعض مستلزمات البيت – عدم قيادة السيارة إذا كنت قريباً من البقالة أو المركز التجاري – واستخدام الدرج بدلاً من المصعد، تمنع التدهور السريع في القوة وقد يكون أفضل، وتشير الدراسات بصورة عامة إلى أنه عند بلوغ السبعين من العمر يفقد الشخص 20% من مجموع عضلات الذراعين والفخذين، ولا يستطيع ثلث الرجال في هذا العمر رفع ثقل يوازي 5 كيلو جرامات، هم بهذا القدر من الضعف، ويبقى كثير من كبار السن عالة على ذويهم في هذا السن، أما المسنون الذين عرفوا مدى التدهور في لياقتهم وقاموا بتعويض هذا الفقد بواسطة النشاط الرياضي الإضافي فقد ظلوا معتمدين على أنفسهم لمدة أطول.

جيلنا يدفع الثمن!
كثيراً ما يشكو بعض الناس ممن تجاوزوا الخامسة والثلاثين من العمر من آلام المفاصل أو عدم مرونتها، وربما أدى به ذلك إلى إصابات وآلام لأي حركة خاطئة يقوم بها، ودائماً ما ينصح بزيادة لياقته وربما نصح بزيادة مرونة مفاصله، ونتساءل: وكيف يتم ذلك؟ من هذا المنطلق نستطيع القول إننا بحاجة إلى أنشطة بدنية لتقوية الجسم تعيننا على مصاعب الحياة حتى آخر العمر.

في قاعة الانتظار في المستشفى نظرت فإذا شاب لا يتجاوز عقده الثالث يترنح أمامي في قامة تفككت أوصالها وماع جذعها حتى لا يقوى على الوقوف إلا مستنداً على حائط أو قضبان الممرات، ولا تخطو قدمه إلا متكئاً على كرسي أو مكتب، أما أطرافه فلا تنفك ترتعش في شكل حزين، أما لسانه فيلوك الكلمات ولا يكاد يفصحها، تعودنا أن نرى كثيراً من هذه الحالات المرضية، تطال هذه الفئة العمرية، تبقى مع المريض معذباً سنوات وسنوات وقد تظل معه طول حياته، والخطر كل الخطر أن نرى معظم شبابنا على أبواب المستشفيات، هم يسيئون إلى أنفسهم، بدليل ما نشهده اليوم من حياة الكسل والخمول وقلة الحركة وعدم المشي والسلوكيات الغذائية الخاطئة، هذه محنة شبابنا!!

لصحة أفضل
النشاط البدني له فوائد جمة تعود على الإنسان بالصحة والحيوية والرشاقة، وهذه الفوائد أكثر من أن تحصى، فلكل مرحلة من مراحل عمر الإنسان فوائد من النشاط البدني تخص هذه المرحلة دون سواها، ففي سن الطفولة نجدها مهمة للتخلص من الملل مما يقود إلى تحسين الأداء الدراسي، كما أنها تعوّد الطفل على تأسيس العادات الصحية الجيدة وتجنبه كثيراً من العادات الخطرة.

وفي مرحلة المراهقة نجد أن النشاط البدني مهم في تخفيف ضرر العوامل المؤدية إلى أمراض القلب في سن الرشد، أما الفوائد التي تجنيها الفئة العمرية من 20 إلى 60 سنة أو ما يسمى مرحلة الشباب والكهولة فهي عديدة فمنها: التخلص من القلق والمزاجية والتحكم في حالات السمنة بزيادة الطاقة المصروفة، وزيادة حساسية الأنسولين، وزيادة كثافة العظام، وانخفاض الجلطات وأمراض الكلى، وتحسن في وظيفة جهاز مناعة الجسم.

والاستمرار في أداء النشاط البدني سوف يحمي كبار السن من كثير من الأمراض المزمنة بإذن الله، هذه الفائدة هي في الواقع امتداد للفوائد الناتجة عن هذا النشاط في المرحلة التي تسبقها، كما أنها تساعد على الحفاظ على حد كافٍ من القدرة الوظيفية للقيام بأنشطة الحياة اليومية، وبالتالي عدم الاعتماد على الآخرين، أيضاً في بعض الأحيان فإن التدريب البدني المنتظم سوف يمنع أو يؤخر التدهور العقلي، بالإضافة إلى ذلك فإن التدريب البدني المنتظم سوف يحمي من الجلطات المميتة الناتجة من الإصابة بالسكري أو ارتفاع ضغط الدم “بقدر من الله تعالى”.

“تريّض.. ولو على فراش المرض” لتفادي أي مضاعفات صحية خطيرة من الجلوس لفترات طويلة وقلة الحركة، يجب على الشخص ممارسة أي نشاط حركي، فكن دائماً في نشاط وحركة، تحريك مفصل الركبة ورفع الرجل والضغط لأعلى وأسفل وتكرار التمرين عدة مرات لتقوية عضلات الفخذين، ومدَّ الدراعين للأمام وتحريك الكتفين وأصابع اليدين فرداً وقبضاً، ودوران الرأس جهة اليمين وجهة اليسار ببطء، ورفع الجذع أماماً ومحاولة لمس الأمشاط، والتمطي يمنة ويسره وقس على ذلك.

إننا اليوم في مجتمعات تعانقت فيها أخطار كثرة الأكل، وقلة الحركة، وتلاشي البركة، بعد أن تحولت أجسادنا المترهلة إلى مشروع تسمين بشري!! أصبحنا ننفق المال لإصلاح الخلل في أجسامنا من فرط تناول الغذاء وقلة الحركة واضطراب النوم وضغوطات الحياة.

لاحظنا تزايد عدد الممارسين للأنشطة البدنية في السنوات الأخيرة بشكل كبير وإن اختلفت أسباب وأشكال ممارسة الرياضة، وتتراوح أسبابها ما بين الطموح للوصول للنجومية العالمية وممارسة الرياضة من أجل التواصل الاجتماعي أو للصحة العامة أو للسيطرة على الوزن أو لأسباب أخرى.

إن الأشخاص الذين لا يعملون بمستوى عالٍ من الأداء لأسباب صحية تعود للتغذية، والأنشطة البدنية، مما يؤثر على الإنتاجية للجهة التي يعملون فيها وبالتالي يكلفون الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة.

وأخيراً، ما رأيكم في طبيب يصف لمريضه العلاج اليومي فيقول له: خذ قسطين من الجري ثم اتصل في الصباح؟ قد تبدو وصفة غريبة، ولكن المرضى أخذوا يعتادون عليها في بعض المستشفيات الأمريكية.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.



error: المحتوي محمي