نحت البحر

نغرق تأملاً في البحر ليسحر خيالنا، فأمواجه التي تشبه موجات الحياة المتقلبة بجميع صورها تترك أثراً على الشواطئ الرملية والصخرية مكونة لوحة فنية يحتار أهل الفن في وصف جمالها وتشكيلها الفريد بنسق يأسر لب الناظر إليها.

اللوحات الفنية الطبيعية هي تلك التي ينحتها هيجان البحر أو غضبه بسبب الرياح النشطة فتطلق الأنغام والتراتيل في مدها وجزرها، مذكرة بزمن بعيد غابر ترك بصمته في قلوبنا وعقولنا مذكراً إيانا بطعم خاص للحياة ببهجتها وسرورها وآلامها وأحزانها التي طبعت آثار النحت والتجاعيد في جبين حياتنا متطلعين نحو آفاق المستقبل رغم القساوة لأننا نؤمن بأن صقل الأفكار لا يأتي إلا من المخاض الصعب.

والمؤثر الآخر القادم من البحر والذي ترك بصمته على نمط حياتنا وعلاقاتنا فجعل نفوسنا طرية لينة، هي الرطوبة في أعلى درجاتها في طقس مليء بالتناقضات الجوية النازلة من آفاق السماء نحو أرواحنا الغارقة في أمواج الحياة المتلاطمة والجبال الراسية في أعماقنا لتأخذنا نحو عالم مليء بالتحديات والشغف نحو تحقيق الأحلام والرغبات في أجواء يسودها الألفة والتكيف وقبول العيش مع الآخر المختلف في زمن العتمة القاتمة للحياة.

ومن رحم تلك الصعاب وعبر الزمن الطويل ألفنا التعايش والتفاؤل والأمل وأصبحنا نملك طاقة إيجابية بدواخلنا تشعل شمعة تنير لنا الدرب نحو المستقبل المنشود.

إننا أمام هذا التحدي العابر للمسافات والقادم بكل قوة جائحة يخلق فينا العزم والإرادة نحو أفق رحب يتسع لكل الكيانات والأفكار والقناعات التي من حولنا لتتحول إلى ساحات عمل خضراء يتأمل فيها كل عاشق لروح التحدي ليعزف على نغم وأوتار فكرة الحضارة التي تخدم جميع الأطياف رغم اختلافها.

إن لنا في البحار وما حولها من شواطئ دروس وعبر في المصاعب والمحن تهون علينا الأحزان النازلة بنا من خلال التأمل في الأمواج اللاطمة والعاتية من أقوى الأعاصير العابرة للمحيطات من حولنا لتعلمنا الصبر والتحمل والمواجهة.

سنبقى هكذا نتعلم من البحر وشواطئه حتى ترسو بنا السفينة إلى شاطئ الأمان.



error: المحتوي محمي