محمد رضا نصر الله أيقونة الحوار الثقافي

بين المكان والزمان، أتذكر اللحظة جيداً، على هامش مناسبة ثقافية كنت أهمّ باجتياز بهو الفندق لمحته يعبر ممراً باتجاهي، أو بشكل أدق باتجاه البهو، لحظتها وكأن ناقوس اللحظة/ الرهبة يتدفّق بي أكثر مما ينبغي، هنا تحديداً شعرت أن المكان تلاشى، هي تلك اللحظة التي تفلت فيها من قبضة المكان ليحاصرك الزمان الآتي من مدارات الدهشة والتاريخ والحكايات الطويلة بتفاصيلها وتأصيلها، أمامي الآن محمد رضا نصر الله، هو كما كنتُ أشاهده طفلاً على شاشة التلفزيون، وجهٌ سمح وكأن ملامحه نُسخت بدقّة عالية من وجوه أجدادنا في القُرى التي أصبحت نائية، لولا تلك اليقظة الظاهرة في عينيه لقلت أن ملامحه أنموذجاً لتعريف السكينة، أقبل «بعكّازه»، وخيّل لي لحظتها إن سيصبح أكثر خفّة لو تخلّى عنه، وكيف لعكّازٍ نحيل أن يحتمل مبدعاً هو بذاته عكّازاً لذائقتنا لسنوات طوال؟!

هناك حيث تنام القطيف على ذراع الخليج العربي، وفي عائلة عرفت بالثقافة والعلم والأدب والسياسة شبّ الفتي في بداية السبعينات الميلادية، وبعد أن أنهى دراسته الأولية في مدارسها ومجالسها شدّ رحال طموحه باتجاه العاصمة الرياض، الهدف كان دراسة الإعلام بجامعة الملك سعود، لكنه في نهاية المطاف تخرّج في كلية الآداب متخصصاً في اللغة العربية، لكنه من جديد وجد نفسه في الحقل الإعلامي الصاخب، لم يكن صحفياً «رسمياً» عندما قرر – رغم الإمكانيات القليلة آنذاك – أن يسافر لمصر بحثاً عن القامات الأدبية الأهم عربياً في تلك الفترة كتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، هناك وفي مقهى يوناني رأي الحكيم ونجيب محفوظ، وليس هؤلاء فحسب إنما رأى وجالس يوسف إدريس وإحسان عبد القدوس.
ليست لقاءات عابرة، لكنه خرج بمواد صحفية عظيمة، حينما عاد من مصر التقى الأستاذ تركي السديري – رحمه الله – وأخبره أن بحوزته لقاءات صحفية سينشرها “بمجلة اليمامة”، وبحدس الصحفي السديري علم أنه أمام صحفي سيكون له شأن، فعيّنه محرراً بالجريدة، ولم يطل الوقت حتى أصبح مشرفاً على القسم الثقافي، ومن ثم مديراً للتحرير، وفي وقت ما يُعرف بـ “حكومة الدكاترة” في عهد الملك خالد، أراد وزير الإعلام وقتها د. محمد عبده يماني أن تكون هناك حوارات فكرية أدبية لصالح التلفزيون، ووقع اختيار الوزير على محمد ذي الخامسة والعشرين، وتلك رحلة تستحق صفحات كثيرة لما فيه من مواقف وجهد وإحباطات.

فمن المواقف أن الأديب الكبير توفيق الحكيم بعد أن وافق على الحوار، وقبل بدايته بنصف ساعة، طلب مكافأة مقدارها ألف جنيه وإلا لن يتم التسجيل، سجّل الكثير من الحوارات الخالدة مع أدباء مصر والمغرب العربي والعراق، التقى صدفة مع الوزير الذي كلفه بالمهمّة، وسأله عمّا عمل بما أوكله إليه، فقال إنه سجّل 80 حلقة، فلم يصدّقه الوزير وردّ ساخراً : مع”غنيات وراقصات؟”، وقد أثرت هذه الكلمة فيه وتعمّد أن يؤجل تسليمها للتلفزيون!

لم تكن لقاءاته التي تجاوزت “1000” ساعة من الحوارات التلفزيونية مجرد لقاءات عابرة، بل هي أشبه بوثائق تاريخية أتمنى من التلفزيون السعودي وقناة MBC أن تتيحها للباحثين والمهتمين، وهذه فقط لمحة بسيطة جداً لرافد من أهم الروافد الفكرية والثقافية التي أمدت ذائقتنا بكثير من الإبداع والأدب.


المصدر: اليمامة.



error: المحتوي محمي