شكاية العصفور!

بعد اعتدال درجاتِ حرارة الجو صرتُ أنثر ما بقي من الخبز والحبّ في السَّاعات الأولى من النَّهار، فلا تلبث الطيور والعصافير إلا ثوانٍ وتحط آكلةً منه، وهي تصدر أصوات تَخجل منها أجمل الآلاتِ الموسيقية التي صنعها البشر.

في اجتماعها اليومي، يخيّل إلي أنها تشكو ظلامتها من البشر الذين خرّبوا مساكنها؛ قلَّت المساحات الخضراء ولم يعد لها مساكن تسكن فيها. أما الطيور المهاجرة فشحّت بهجرتها ولم نعد نراها إلا لمامًا، ما عدا الغراب الأسود الذي ارتاحَ وتكاثر، فهو يأتي بالآحادِ والعشرات كلَّ يوم.

تعلموا أن هذا العصفور زينة أمر النبيّ محمد صلى الله عليه وآله بالحفاظِ عليه وعدم الاعتداء عليه دون سبب؟ هذا العصفور يشكو من يؤذيه من البشر يوم القيامة، حتى تظنه إنسانًا يتكلم، يا سبحانَ الله!

“من قتل عصفورًا عبثًا جاءَ يوم القيامة وله صراخ حول العرش يقول: رب سل هذا فيمَ قتلني من غيرِ منفعة”.
“إن العصفور المقتول باطلًا يجيء يوم القيامة ويصرخ حول العرش متظلمًا يسأل ربه أن يسأل قاتله لم قتله من غير جلبِ منفعة ولا دفع مضرة”.

“ما من إنسان يقتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها، قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: أن يذبحها فيأكلها وألا يقطع رأسها ويرمي به”.

الحقّ يقال، ما أجملَ وأكملَ الدِّين الإسلامي، فهو قبل جمعيات الرفق بالحيوان والعناية بالبيئة أرشد ودعا لذلك أتباعه، فهذه الشِّكايات التي نقلها النبيّ محمد صلى الله عليه وآله عن العصفور ودعوته للعناية به شاهد من شواهد عدة، لا تحصى:
“ما من مسلمٍ يزرع زرعًا أو يغرس غرسًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كانت له به صدقة”.

“ما من رجل يغرس غرسًا إلا كتب الله له من الأجر قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغرس”.

“من نصبَ شجرةً وصبرَ على حفظها والقيام عليها حتى تثمر، كان له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله”.

حقيقة؛ لو قرأ المسلمون وصايا النبيّ محمد صلى الله عليه وآله بخصوص الزّرع والشَّجر وما يسمى الآن – البيئة – لما تركوا أرضًا قاحلة ولا صحراء إلا وزرعوها وعمروها “ما من امرئ يحي أرضًا فتشرب منها كبد حرى، أو تصيب منها عافية، إلا كتب الله تعالى له به أجرًا”.

على ذلك، هذا الشهر من أجمل الأشهر لزراعة شجرة لمن عنده مكان لها، فيها تتأملون قدرة الخالق، وتظلكم في الصيف، وتاكلون أنتم والطير من ثمارها – إن كان فيها ثمر – أو تتمتعون بخضرتها وورودها إن كان فيها ورد. ومن يدري لعلها تكون الحسنة التي يحتاجها زارعها لينقلبَ الميزان لصالحه في الآخرة!



error: المحتوي محمي