علماؤنا الأفاضل وخطب الجمعة المباركة

من نعم الله وفضله أن جعل في هذه الأمة علماء أجلاء، وهبهم من كرمه – سبحانه وتعالى – قلوبًا تملك من الرحمة وسعة الصدر ومن الصفات الحميدة والأخلاق العلمائية الراقية ومن السمو الروحي والإنساني والوجداني النبيل.

حملوا على عاتقهم ومن سنوات العمر المبكرة شرف خدمة العلم والناس واكتسبوا كنوزًا من المعرفة حتى مرتبة الاجتهاد، بعد سنوات طويلة في طلب العلوم والكفاح حتى جاء الوقت ليكونوا بيننا، أجادوا بعون الله وتوفيقه كل السبل الخيرة التي تخدم أفراد مجتمعهم بأفكارهم النيرة ومواعظهم الفكرية والعلمية الهادفة وبعطاءات متعددة، الخيرية منها والاجتماعية وبكل صدق ووفاء وإخلاص لوجه الله تعالى.

في خطب يوم الجمعة من كل أسبوع يبين علماؤنا الكرام أصحاب السماحة الأفاضل،
أمورًا كبيرة من سنن الدين الإسلامي العظيم، حيث تكرر في الآونة الأخيرة الحرص والاهتمام في خطبهم بالمعاني التي تحمل الموعظة الحسنة منها: أن الله خلق البشر وجعل بينهم المودة والرحمة وقد اقتضت سنته سبحانه وتعالى بأن يكون الامتحان والاختبار لكافة المخلوقات من البشر، وأن يكون بينهم اختلاف وتنوع وتباين في البعض من الأمور الدنيوية، في الأفكار والطبائع وفي السلوكيات وغير ذلك.

وأوضحوا سماحتهم -حفظهم الله- ومن خلال ما سمعناه ومما تم قراءته عبر المواقع الإلكترونية من تقارير التغطية لخطبهم المباركة، وبشكل أسبوعي تقريبًا، وبما يوضح أنه قد ينتج عن هذه الاختلافات والتباين في وجهات النظر وبما في ذلك من التصرفات والسلوكيات، ظهور بعض الخصومات والعداءات وهذا لا ينبغي أن يكون أو يستمر طويلًا متى استخدمنا العقل واتبعنا السبل الصحيحة والصالحة في العمل، قال تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا).

وحرصوا بالقول: ينبغي على الناس العقلاء إذا وقعت بينهم مثل تلك إطراءات الرجوع إلى الحق ومراقبة الله والنفس وتذكر الثواب والعقاب ومجالات التسامح والصلح وإقامة العدل وعدم الإذعان للفوضى والتنافر، وحذروا مشددين في ذلك من “الفجور في الخصومة” ودعوا للالتزام بالقيم الإنسانية في الخلافات، وقالوا: يحرم على الإنسان أن يتمنى الأذى في نفسه على الآخرين حتى وإن كان ذلك الشخص المختلف معه، ليس في دينه أو من غير مذهبه أو من غير عقيدته وينبغي على الإنسان المسلم عدم تجاوز الحق والشرع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).

فكم من خصومة – والحديث يرجع لسماحتهم رعاهم الله – حيث ذكروا تكرارًا، متى بلغت الخصومة حد الفجور تحولت إلى قطيعة وهجران بين الأرحام والزملاء والأصدقاء والجيران، وأنها من أشد الأضرار والمحرمات – وتابعوا القول بحرمة ذلك ومقته، فكم من الفجور في الخصومات حولت العلاقات الإنسانية بين الناس إلى سب وشتم وغيبة ونميمة وتهاون وتشدد والعزوف عن أي فرصة يقوم بها أهل الخير من أجل الصلح ونزع فتيل الخلاف، وأوضحوا كذلك أن الفاجر في الخصومة والعياذ بالله هو يعلم ما يقوم به وأنه يعلم أن الحق ليس معه فيجادل بالباطل يسبق لسانه عقله وحلمه ورشده حتى يكاد يكون غير إنسان.

إن الفاجر في الخصومة والبيان لعلمائنا الأفاضل، لا يحفظ لسانه وقلبه، يتلذذ بتوجيه التهم من غير حق ويتطاول ويخرج عن الموضوع لأحداث ماضية ومتفرقة، ليشتت الأفكار لمن حوله، فقلبه مليء بالحقد والحسد وسوء الظن بمن حوله، يتمادى في كبريائه ليضيق على الناس عيشتهم ويكدر خاطرهم ويحرمهم من راحة البال.

لقد حذر علماؤنا الأجلاء رعاهم الله ومنهم ما نحن بصدد ذكره بمقالنا هذا وهو (الأول) واليسير من ملخص الخطب والدروس المستفادة لخطب يوم الجمعة من وقت قريب، حيث لسماحة الشيخ حسن الصفار خطبة بعنوان “تجريم الإساءة للآخرين” وأخرى خطبة يدعو فيها للالتزام بالقيم الإنسانية في الخلافات ولسماحة الشيخ الفاضل عبدالله اليوسف وهو من خطبائنا الكرماء والذين لهم الكثير من المواعظ والعبر، حذروا جميعهم من هذه المخاطر والمحرمات وهم معربين في نفس الوقت عما قد يظهر عليه بعض المجتمعات للأسف الشديد اليوم، ويساعد على نشرها والترويج لها بعض وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي وذلك باستغلال ما هو مشوه من تهم وشائعات مبرمجة عنوة من ضعفاء النفوس، بالسب والشتم تارة وبالكذب والبهتان تارة أخرى وبالتمادي بهجاء الآخرين من الناس الأبرياء والتي لم ينج منها حتى الكبار من العلماء والمراجع العظام ومن رجال الدين والرموز من مفكرين وأساتذة ومن عامة الناس، مما يعرض الأوطان للفتن والسلم الأهلي للعبث والانكسار، والهجاء من العادات والكبائر المذمومة في الإسلام ولا يحظى صاحبها بمرضاة الله، وما يقوم بها إلا شخص مريض ومعزول نفسيًا وسلوكيًا، بالتشهير بالناس وذمهم والتعرض لشرفهم وأعراضهم كما رفض هؤلاء الخطباء العظام كما غيرهم، تحويل الأجواء الدينية إلى ساحة احتراب وتعبئة وتسقيط للرموز الدينية كما أن وجود ممارسات الإيذاء بين أفراد المجتمع ومكوناته تضعف من قوته وتماسكه، وقد مثل سماحة الشيخ الفاضل حسن الصفار – حفظه الله – بمثل هذه الخصلة الشنيعة “الهجاء المذموم” بشاعر يسمى الحطيئة وهو شاعر عاش الجاهلية والإسلام حتى كان من تماديه في الهجاء المذموم أنه مرة لم يجد من يهجوه فهجا أمه الحقيقية قائلًا قبحه الله أنها ليست بأمه، وأن غروره وتعسفه لم تنج نفسه منه فهجاها فأنشد يقول:
أبتْ شفتاي اليوم ألاّ تكلّما
فمن أرى من أنا قائله
أرى لي وجهًا شوّه الله خلقه
فقَبح من وجه وقبحّ حامله

كما دعا سماحة الشيخ الدكتور عبد الله بن أحمد اليوسف في إحدى خطبه للجمعة المباركة والبارزة، إلى تأليف القلوب وتطهيرها من الأحقاد، وأن تعاليم الإسلام أوصت بالمحبة والمودة والتسامح وأن للحقد والكراهية أثارًا سلبية وعدم التعاون وإيذاء الناس تعتبر من الأمراض المدمرة للقلب والمفسدة للأخلاق، وعلى المؤمن أن يبتعد عنها وأن يطهر قلبه من أي غلّ أو حقد وحيث روي عن الإمام علي (عليه السلام): “طهروا قلوبكم من الحقد فإنه داء موبئ”.

كما شدد سماحة “الشيخ اليوسف” على التحدث في هذا الشأن العظيم قائلًا – رعاه الله – إن الإسلام نهى عن الحقد وإن من صفات المؤمن ألا يحمل في قلبه من أحقاد أو عداوات، وتابع ملفتًا إلى الحضور والمستمعين بأن من صفات أهل الجنة أنهم لا أحقاد بينهم، مستشهدًا في خطبته بقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}.

ما تم ذكره والتنويه عنه والحذر من الوقوع فيه، شدد عليه علماؤنا الموقرون وبالتوجيه تارة وبالنصيحة تارة أخرى، وهو ما دعا إليه الإسلام وديننا الحنيف ورسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأعلام الهدى من أئمتنا صلوات الله عليهم أجمعين، فهم القدوة الحسنة للبشرية ومصابيح الدجى للبشرية جمعاء – تحية إجلال تحمل في طياتها كل معاني الحب والشكر والتقدير لتلك الجهود المباركة والتي هي مصدر فخر لنا كمجتمع من حقنا أن نعتز ونباهي بحصادها النافع وقيمها الرفيعة أمام الأجيال وهو وسام عظيم.

إن هذه الدنيا زائلة، وعند الله يجتمع الخصوم، اللهم ألّف بين قلوبنا وأصلح ما فسد من أحوالنا.
اللهم اجعل لنا من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ومن كل عسر يسرًا ومن كل بلاء عافية إنك سميع مجيب.



error: المحتوي محمي