أخلاقُنُا أم شهاداتُنا؟

ٓٓبسم الله الرحمن الرحیم ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
 المُؤهّلاتُ والشهاداتُ والمناصبُ ترفعُ قَدرَ الإنسان وتجعل له قیمةً بین الناس لکن ذلك الشأن وذلك القَدر وتلك المراتبُ العالیة لن تأخذ موقعَها من الناس ما لم تتوَّج بالمعاملات الحسنة، فلو کنتَ وزیرًا أو مدیرًا أو عالمًا أو معلمًا أو مخترعًا ولم تعرف کیف تتعامل مع الناس باختلاف مستویاتهم ستبقی شخصیتُك مجرد اسم ومؤهلاتك شهادات في براویز، بینما لو کنتَ شخصًا عادیًا لا تمتلك شهادات ولا خبرات ولا مناصب ولا ثقافات لکنك تتعامل مع الناس وكأنك واحد منهم تحترمهم وتوَقِّرُهم وتزورهم وتأكل وتشرب معهم سترتفعُ قيمتُك ويَعلو شأنك وتكون لك مكانة مرموقةً بين الناس یحترمُها ویقدرها الصغیرُ قبل الکبیر. یقول الإمام عليه السلام: “خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ”.
فإن صرتم أغنیاء وأثریاء فلا تحتقروا الفقراء وإن أصبحتم رؤساء ومدراء فلا تهینوا من یأتمر بأمرکم ولا تبالغوا في الصرامة والقسوة ولا تشدّدوا في العقاب یقول الإمام: علي علیه السلام: “وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعًا ضَارِيًا تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ”.
کثیرًا ما تعتري أصحابُ الشهادات والمقامات حالة من النَّرجسیّة (النرجسيّة تعني حب النفس أو الأنانية، وهو اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي، والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين، ویکیبیدیا) هذه الحالة تجعلهم یعتقدون أنَّ الآخرین أقلّ من مستواهم فیعتزلون عنهم بحجة الانشغال بالمنصب والوظیفة والازدحام بالمهام ثم تتطور الحالة إلی الانتقال من مواقع سکناهم إلی مناطق أکثر رفاهیة وأنسب لطریقة معیشتهم، فمدارسهم القدیمة لا تلائم أبناءهم ومطاعمهم لا تلبي أذواقهم وحدائقهم التي تربوا فیها صارتُ لا تجلب لهم الفرح والسرور.
والحالة النرجسیة لا تُفرّق بین قریب وبعید فقد یری الأخُ نفسَه فوق مستوی إخوانه فیحتقرهم ویهجرُهم، وقد تنال بعض البناتُ شهادات وتترقی في المناصب والمسؤولیات فتقول لأهلها وأحبتها: هذا فراقُ بیني وبینکم.
والأدهی من ذلك وأمر أنّ یترعرع الأبناء مع آبائهم ویکتسبوا العزم من تلك البیوت المتواضعة حتی إذا اشتد عودهم وعَلا شأنُهم تنکَّروا وتمرَّدوا علی کل من حولهم وسیطرت علیهم النَّرجسیّةُ والمخملیَّةُ؛ (المَخمليَّة هي الطبقةُ الغنيّةُ في المجتمع وتم تسميتهم بهذا الاسم نظرًا لارتدائهم المخمل وهو زيّ غالي الثمن لا يلبسه غير الأغنياء، القاموس).
ٓ
أیها الأحبة لا تجعلوا الشهادات والمناصب تشوِّه عقولَکم وتغیِّر أنفسَکم لا تغتروا بالمال والثراء فتتعالوا علی أهلکم ومجتمعکم وکونوا ککثیر من العلماء والأطباء وأصحاب الشهادات العلیا والأبناء البررة الذین لم یتغیّروا ولم یتکبروا، قال تعالی: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)} صدق الله العلي العظیم وصلی الله علی محمد وآله الطیبین الطاهرین.


error: المحتوي محمي