لهفة تدنيني للقادم من أعماق البحر، أيها البحار دلني على لاعب دانت له الملاعب صولة وجولة، حدثني عن هداف لا تخطئ أرجله المرمى، أخبرني عن راكض لا يشق له غبار، ضحك ملء فيه وقال سل بحر سنابس فعنده وعندك خزين ذكرى.
يا وجع السنين، ويا حسرات طافت في عقول المتيمين بلاعب فنان رسم الفرحة لزملائه والمشجعين طوال عقد السبعينات، وصفقت له الخصوم طرباً وإعجاباً.
بين الصحب والرفاق دارت أحاديثنا عن زمن نعده الأجمل وعن لاعب فتننا بلعبه.
أصحيح ذاك الفتى الطائر لاعب نادي النور يدعى حسن الأبيض، تناديه الجماهير: (ابوعلي شق الشبك سفقوا له).
كيف تنحاز لفن لاعب ضد فريقك! هكذا رأيت حسن لأول مرة عام 1976 حين أودع الكرة في مرمى نادي الهدى بتاروت، مسجلاً الهدف الأول على ملاعب نادي الصفا ليلا بنتيجة 2 صفر في أول لقاء يجمع الفريقين.
وتعاد المواجهة في العام التالي وفي نفس المكان والوقت عصراً، سيناريو مباراة دراماتيكية لم تزل تحيا في الذاكرة، بطلها حسن الأبيض.
أسفر الشوط الأول عن واحد مقابل واحد، والبادئ الهدى، مع مستهل الشوط الثاني تمكن الهدى من تسجيل هدفه الثاني، مر الوقت بين كر وفر ولم يتبق من عمر المباراة إلا الربع الساعة الأخيرة، وتباشير هزيمة النور تلوح في الأفق من نادٍ حديث عهد بالدوري، سحبت جماهير سنابس ظناً منها أن المباراة انتهت لصالح الهدى، الدقائق الأخيرة تتولى 3 أهداف مثل رش المطر من أرجل حسن الأبيض، تسجيلاً وتصليحاً، أي ذهول أصاب الحاضرين مما جرى!
ظللت وحيداً على المدرج الخشبي أستعيد الأهداف المحيرة، وددت أن أقبل هذا اللاعب على براعته الخارقة.
كلما لعب النور مباراة هنا وهناك، أفرح حين أسمع عن مهارات حسن الأبيض وكيفية تسجيله للأهداف، وكم رأيته في مباريات متقطعة على ملاعب عدة من ضمنها ملعب الأستاذ بالدمام، وتوصيف تلك اللقاءات يطول مقامها.
ذات مساء متجهاً لعين الصادق وسط نخيل تاروت بصحبة الأستاذ علي مضحي، قال لي: هل سمعت بالخبر، ماذا؟ قال: حسن الأبيض.
انضم إلى نادي الاتحاد، الدهشة لم تسعني، والفرحة غمرتني، وأوضحت له أني سمعت بأذني من بعض أعضاء نادي القادسية في مزرعة الكويتي المطلة على بحر سنابس عبر دعوة من جاري عبد الله أبو سرير الموظف في بنك الاندنوشين بالخبر بمناسبة مقدم مولد ابنه الأكبر “يونس”، ودار حديث مطول على أفواه الضيوف، وأوضحوا أن مفاوضات استمرت بين الناديين النور والقادسية، ولكن تعثرت وربما لم يستجب لها حسن!
ثمة إغراءات دار وطيسها بين العدوين اللدودين اتحاد وأهلي جدة
بالظفر بحسن، وكسب المزايدة الاتحاد عن طريق عراب الصفقة لاعب الاتحاد عثمان مرزوق، تناقلت صحافة الغربية خبر الانتقال، لكن كل الآمال المعقودة تلاشت في بحر جدة، جاء خبر من الرئاسة العامة لرعاية الشباب بوقف انتقال أي لاعب من الدرجة الثانية لأندية الممتاز!!
وقع الخبر كالصاعقة على جميع من كان ينتظر قدوم حسن في صفوف العميد أقدم نادٍ سعودي!
ردة فعل حسن ترجمها تفريغاً في شباك تصفيات مناطق المملكة والتي كسبتها فرقة النور البارعة صعوداً لدوري الدرجة الأولى عام 1979م.
وفي العام التالي يفترض من الجماهير أن تساند فريقها الصاعد حديثاً، لكن تأتي النكبة الثانية على طموح حسن، حين أصبح في نظر من أزره بالأمس وشجعه بكل حرارة، بأن لعب كرة القدم مضيعة للوقت، كانت الأيدلوجيا سيدة الموقف!
انكفأ حسن ضمن فريق يدعى العتاوية، إحدى فرق الحواري بعد أن عاد النور قابعاً في الدرجة الثانية.
مر زمن وتوظفت في مدرسة الإمام مسلم بسنابس عام 82 م وتشاء الأقدار أن أدرس ولد حسن الأبيض الطالب علي، وكل مرة أقول له إن شاء الله تخلف أباك في اللعب، بعفوية البراءة (ما أدري)!
لكني أدري عن إمكانيات حسن المهارية وشهادات زملائه ومن جاوره لعباً ومواجهة، وكل من عاصره في تلك الحقبة من يكون حسن!
عدة مرات أفضت كلاماً أمام هذا اللاعب الودود المبتسم دائماً جميل الطلعة، التي تخجلك أخلاقه العالية، فحين يزور المدرسة مستفسراً عن ابنه كنت أقول له أمام جمع من المدرسين الوطنيين ومن بلاد العرب.
أقول له: يا أبا علي لو أنصفك الدهر، لكنت متربعاً في صفوف المنتخب السعودي وأيضاً، ستكون ضمن أفضل لاعبي الوطن العربي وربما أكثر!
انقضى زمن وليته يعود ولو عبر تسجيل فيديو، ليخبر من لم يره من يكون حسن الأبيض!
الاحتفال بك هذا المساء يا أبا علي هو لحظة وفاء من جماهير تغنت بك طرباً لإبداعاتك الساحرة، وجمال مهارتك الباهرة.
يا حسن ستظل قمراً مضيئاً سماءً وبحراً مهما تعاقب الزمن.