“الترويسة” من الكلمات العربية المستحدثة والتي يلاحظ استخدامها في الكتابة والمراسلات وتقنية المعلومات مؤخرًا. ويرتبط بها التفعيل أي “الترويس” الذي يحضر في الخط العربي. أمَّا حضورها في مجالات أخرى كالطرب، والسياسة، والفلاحة فمنشؤه أسباب أخرى تتعلق بالمجال ذاته.
الترويسة لغة
في الأصل اللغوي، كلمة (ترويسة) عربية، وهي تفعيلة من (رأس) وأصلها (تَرْئِيسَة)، لكن الهمزة فيها قلبت واوًا، مثل ألف “أرّخَ” و “تأريخ” فصارت “تَوْريخ”[1]، ومثلما انقلبت ألف “ألَّفَ” و “تأليف” واوًا أيضًا فصارت “تَوْليف”[2]… إلخ. ومنه القول: فلانٌ رَوْسُ سَوءٍ: أي رأس سوء، بمعنى رجُل سَوء، و”رُوس” جمع رَّأْسُ، أصلها رؤوس. وفي معجم لسان العرب، الرَّوائِس: المتقدِّمة من السحاب، ورَوائِس الأَودية: أَعاليها.
وفي المعنى
فمن معنى الرأس والتقدم، جاءت “الترويسة” بمعنى:
– كلمة أو عنوان يُذكر في رأس الصفحة في الكتب والأبحاث والمعاجم، لإظهار مضمون ذي أهمية في الصفحة. – عنوان، رأسيَّة، كلمة مُدوَّنة بحرف كبير يصدَّر بها جزء بحث أو رسالة، فنقول”: “اخْتَرْ ترويسة لرسائلك”.
و”الترويسة”، كعنوان يُذكر في رأس الصفحة لإظهار مضمون تلك الصفحة، هي كذلك في اللغة الانجليزية header أصلها head (رأس) أضيف لها اللاحق (suffix) ” –”er(للدلالة على الفاعل)،
ويقابلها footer (foot + er) “تذييل”، وجمعها “تذييلات”. لذلك في لغة التويتر (Twiter التغريد) تعرف “الترويسات” بـ “هيدرات” (أو الكليشة).
فعلى ما تقدم، تأتي “ترويسة” بمعنى عنوان أو تسمية فرعية تحمل المضمون الخاص (الثيمة) لنشاط ما، كما حصل في معرض “المهرجان اللبناني للكتاب” سنة 2020م، فجائت الترويسة: “مئوية دولة لبنان الكبير”، الذي أعلن عنه في الأول من أيلول من عام 1920م، ليصبح (لبنان) أول جمهورية في العالم العربي.
“الترويسة” في علم الحوسبة
في علوم الحاسوب، أو تقنية المعلومات، “الترويسة” اصطلاح يعني النضيد المذكور في أعلى برنامج حاسوبي ما، الذي يُذكر فيه لغة البرمجة المستعملة، وكذلك الترميز المستعمل فيه… إلخ.
الترويس
إذا قلنا أن “الترويسة” أصلها من الرأس، والتقدم، فعليه يكون “الترويس” هو عملية وضع شيء في المقدمة، أو وضع رأسٍ له، أو ما شابه الرأس. و”الترويس” يحضر في عدة مجالات تتصل بحياة الإنسان، منها الفن، والسياسة، والفلاحة.
الترويس في الخط العربي
«الترويس» في الخط العربي هو بدء الحرف من رأسه بنقطة بعرض القلم، ويكون برسم شظية صغيرة كالسهم أو المثلث ذي استطالة في هامة بعض الحروف من جهة اليمين. ويُرسم هذا السهم بقلم دقيق بعد إتمام كتابة الحرف. والحروف التي يدخلها “الترويس” هي الألف والياء والجيم والدال والراء والطاء والكاف واللام المجموعة والهاء المربّعة. ويختلف الحال في ترويس هذه الحروف باختلاف الخطوط، فمنها ما يروّس وجوبًا، ومنها ما يمتنع فيه التَّرْويس، ومنها ما يكون فيه الخيار. و”التَّرْوِيس” مأخوذة من الرأس، وهو هامة الحرف. والحرف الذي حصل فيه ترويس يقا له مروسة: مثل “لام مروسة”.
الترويس في السياسة
“الترويس” هو أحد أشكال عملية الاستيعاب الثقافي التي تتخلى من خلالها المجتمعات غير الروسية – طواعيةً أو قهرًا – عن ثقافتها ولغتها لصالح الثقافة واللغة الروسية (Russian)[3]. تاريخيًّا، يشير “الترويس” كمصطلح إلى السياسات الرسمية وغير الرسمية للإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي فيما يتعلق بمكوناتهما القومية والأقليات القومية في روسيا، والتي تهدف إلى الهيمنة الروسية. المجالات الرئيسية للترويس هي السياسة والثقافة. في السياسة، يتمثل أحد عناصر الترويس في تعيين المواطنين الروس في مناصب إدارية قيادية في المؤسسات الوطنية. في الثقافة، يرقى الترويس في المقام الأول إلى هيمنة اللغة الروسية في الأعمال الرسمية والتأثير القوي للغة الروسية على التعابير الوطنية. تعتبر التحولات في التركيبة السكانية لصالح السكان من أصل روسي أحيانًا شكلاً من أشكال الترويس أيضًا.
الترويس في الطرب والغناء
إضافة إلى أن “الترويس” عملية وضع الشيء في المقدمة، أو وضع رأسٍ له، أو ما شابه الرأس، هناك “ترويس” من نوع آخر متربط بآلة الفعل. لذا يأتي الترويس بمعنى الايقاع على «الـمِـرْواس» (طبل صغير يحمل في الكف)، وجمعه “مراويس”، وتفصيلًا هو آلة ايقاعية صغيرة الحجم تتكون من اسطوانة خشبية مجوفة قطرها 15 سم وطولها 15سم أيضًا يُشد عليها من الناحيتين قطعتين جلديتين بواسطة خيوط سميكه. وهو في الأصل آلة جلبها الخليجيون من الهند، ليستعملوه في “فن الصوت” فقط الذي كان يعتمد في ايقاعه على نقرات ريشة العازف على أوتار العود. والضارب على هذه الآلة، التي تتطلب دقة ومهارة، يسمى ”مروّس” وجمعها ”مروسيّه”.
“ترويس النخيل”
العناية بالنخلة تمر بمراحل متعددة يقوم بها المزارعون طوال السنة تبدأ بـ “الترويس” وتنتهي بـ “الصرام” (قطع الثمر وجنيه). و”ترويس النخلة” يعني قص “الكَرَب” (قواعد/أصول السعف، واحدتها “كَرَبة”) المتخلف من السابق، وإزالة الأشواك (السُّلَّاء، وتلفظه العامة السِّلِّه) من الجزء السفلي لكل سعفة (ويعرف بالتقليم عند البعض) حتى لا تؤذي المزارع في عمليات تاليَّة (التنبيت، واللفاف، والتحدير، والخراف، والصرام). و”ترويس النخلة” يعرف عند البعض بـ “التكريب” (من الكَرَب).
الهوامش
[1] وَرَّخَ: (فعل)، وَرَّخَ الكتابَ: أَرَّخَه، أرَّخَ أرَّخَ لـ يؤرِّخ، تَأْريخًا، فهو مُؤرِّخ، والمفعول مُؤرَّخ، أرَّخ الرِّسالةَ: حدَّد تاريخَها، كانت رسالته مؤرَّخة في غُرّة رجب، وأرَّخ الحادثَ: فصَّل تاريخه وحدَّد وقته، والمُوَرِّخ: عالم التاريخ، وتواريخ: جمع تاريخ.
[2] على سبيل المثال، الوِلافِ الاعْتزاء والاتِّصال؛ كان على معناه في الأَصل إلافاً فصيَّر الهمزة واواً؛ وكلُّ شيء غطَّى شيئاً وأَلبَسه فهو مُولِفٌ له؛ وفي الصحاح: الوِلاف مثل الإلاف، وهو المُوالَفة.
[3] لكن يجب أن نميِّز بين “الترويس” Russianization، بمعنى انتشار أو نشر اللغة والثقافة الروسية والناس في ثقافات غير روسية، و”الترويس” Russification، كعملية لتغيير التسمية الذاتية أو الهوية العرقية للفرد من اسم عرقي غير روسي إلى روسي، وغير ذلك.