ضوء يلامس العافية

ثمة من يمكنه أن يملأ جوانبنا المهملة بالنجوم .. اليوم كنت أتفقد بعض المرضى في المستشفى ، عثرت على امرأة تبكي حزنها وحدها بقلق ظاهر .. فابنها كما أبلغوني مصاب باللوكيميا، ولنتصور كيف ستبدو كأم مفجوعة مثقلة بالفزع والخوف من القادم .. بقيت معها أواسيها .. وما يمكن للمواساة أيا بلغت أن تفعل في قلبها؟! ..

تحدثت معها قليلا عن أشياء تعرفها وتؤمن بها فانفجرت بالبكاء .. فاحتضنتها بشدة كما لو أنها رفيقة قديمة لي لأخفف من لوعتها .. وتكلمت معها لأمتص بعضا من وجعها ..

عدت للطبيب لأسأله عن وضع ابنها لعلي أحمل لها بعض الطمأنينة فتسكن وتهدأ نفسها .. ومجددا عاودتها وأنا اطمئنها وأسألها أنه يحق لها الحزن لكن مشوارها طويل وتحتاج بعض الزاد لتقوي عزيمتها ..

ترددت عليها عدة دورات ما بينها وبين بعض الأقسام خلال جولتي وسط هذا الصباح .. حتى استجابت قليلا وأبدت رغبة في الأكل ولو يسيرا ..

ومن ثم مررت باقسام الاطفال .. وكانت بعض ضحاياه من مرضى السكلر .. فتيات في عمر الزهور مستلقيات في أسرتهن البيضاء ، يعجزهن الألم بشراسته ، فهن لم يجربن اختياره مسبقا .. ويربطهن الأنين عن خفق دفقات الفرح ..

الألم وحده حالة تفقدك الإحساس بالحياة وتجعلك تشعر أن كل الأمور التي حولك أشياء مهلة لا تستحق الإهتمام ..

حادثتهن وداعبت وجودهن كأميرات صغيرات من عالم الخيال .. فعلت لأجرب تحفيزهن على تناول شيء من الطعام لعلي أفلح ومن ثم استعنت بزي ميكي ماوس الذي ابتعته حديثا وألبسته إحدى العاملات وعدنا لهن بمرح مفاجىء وكان بالفعل بعض الفرح يذرع قلوبهن ..

فحتى نحن من نمجد العافية .. تلسعنا بعض الآلام المخبأة في أطراف الترقب ..

من هذا المشفى المغلق .. ومن طابقه الثاني .. ثمة طاقة فرح بمخزون ألم وحزن يمازج الحياة بعناية فائقة بحثا عن ضوء يلامس كل نقاط العافية ..


error: المحتوي محمي