من المتسالم عليه أن مخرجات العقول هي نتاج للتغذية المدخلة فيها، والتي تتأثر بشكل مباشر بالبيئة من حولنا، فالأسرة والمدرسة والمجتمع والإعلام الخارجي كلها تعمل على التأثير في طبيعة المدخلات من المعلومات للعقل، وهي بالتالي من يؤسس لثقافتنا وتجاربنا الحياتية، والتي غالباً ما تكون جيدة وحسنة بالفطرة السليمة.
إن انقلاب الموازين وغياب الوعي يشكل عاملاً مهماً في أخذ النتائج والمخرجات إلى الاتجاه السلبي المتمثل في ضعف حس المسؤولية والبعد عن الذوق الأدبي العام في المجتمع بشكل ملحوظ.
هناك فئة من المجتمع تعتقد أن مستوى التفكير والتحليل وقراءة الأحداث لديهم تختلف عمن حولهم، وأن قدرتهم على معرفة ضمائر ونوايا الأفعال الصادرة من الآخرين أكثر من غيرهم، ولذلك فهم يبادرون بإطلاق الأحكام الظنية المسبقة لأي حدث من حولهم، فيقومون بتداوله وتناقله واستعراضه بتفصيل ممل وإسهاب مخل بصيغة الجزم والقطع، وكأنهم حاضرون لتلك الأحداث، مع العلم أنهم ليس لديهم أي معرفة سابقة بالحادثة ولم يقفوا عليها بل كان مجرد السماع بها من أطراف أخرى يحتمل فيها الزيادة والنقيصة، مما يؤثر في نوع الحكم الصادر منهم.
بل تعدى ذلك بإطلاق أحكام مسبقة لمجرد إشاعة سمعها او وصلت إليه بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي دون معرفة المصدر والتحقق منه.
إن الحاجة ماسة إلى رفع مستوى الوعي القادر على كبح جماح مثل هذه التصرفات والتركيز على الاهتمام بأنفسنا وتطويرها بدلاً من إقحام أنفسنا بأمور لا طائل منها ولا دخل لنا بها من قريب أو بعيد.
ان التعامل بهذا المستوى من العشوائية بقصد أو بدون قصد يعكس مستوى اللانضج في أسلوب التفكير، مما يؤثر على سمعة علاقتنا بالآخر، ولن يقبل أحد بأن يكون في مرمى الاتهام والحكم المسبق عليه بشكل قطعي وغير قابل للنقاش والأخذ والرد، بل سيكون من المؤكد أن الطرف الآخر سيدافع عن نفسه بكل ما أوتي من قوة ولن يقبل إطلاق أحكام ظنية مبنية على الإشاعة دون التثبت ومعرفة الحقيقة.
إن الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه والنأي به عن التصدع والانشقاق بحاجة إلى مزيد من الحكمة والعقلانية والبعد عن سوء الظن ومعرفة وتتبع مصادر الأقوال المشاعة والقصد من ورائها حتى لا تنتشر مثل هذه الأمراض وتأخذ بجسد المجتمع إلى ما لا يحمد عقباه.
نحن بحاجة إلى انطلاقة حقيقية لا زائفة تعكس قيمنا الاجتماعية الراقية بكل شفافية بعيداً عن كل المؤثرات السلبية من حولنا لنطلق العنان لعقولنا وبصيرتنا لنهج الطريق الأقوم.