لقد خلف الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) تراثاً فكرياً رصيناً من خلال خطبه ورسائله ومواعظه وكلماته القصار وهي بمثابة كلمات وتوجيهات لبناء الإنسان والأمة بناء رصيناً. فكل كلمة من كلماته تختزن بين حروفها توصيات اجتماعية وعقائدية ووعيًا بمتطلبات المرحلة الراهنة.
لذا فمن الواجب علينا أن نقرأ هذه الكلمات الرسالية ونتأمل فيها ونستخرج منها تلك الدرر لتكون لنا نوراً وهداية.
المشاورة.. تعاون فكري
قال الإمام الحسن (عليه السلام): “ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم”(1).
المشاورة هي الاستماع لآراء أهل المعرفة والحكمة والخبرة، ومناقشة الآراء المطروحة للتعرف على آلية العمل بها، كما أنها تتيح الفرصة لاختيار آراء واقتراحات تسهم في نجاح الفرد وتحفظه من اتخاذ قرارات خاطئة.
المشاورة تعمل على إنضاج الفكرة، فهي صورة من صور التعاون الفكري الذي يرشد الإنسان لأفضل الحلول. كما أن المشاورة خطوة مهمة في تطوير الذات وذلك عندما تستشير ذوي الخبرة فإنك تستفيد من تجاربهم، كما أنك تعمل على تطوير مهاراتك وقدراتك العقلية، وعدم التسرع في اتخاذ القرارات فـ”مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ، وَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا” (2) كما ورد عن الإمام علي عليه السلام.
الصداقة بالاختبار
قال الإمام الحسن (عليه السلام): لا تآخ أحدًا حتى تعرف موارده ومصادره، فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة (3).
الصداقة ليست مسألة هامشية في حياة الإنسان بل هي مسألة محورية وقضية أساسية لا يمكن له أن يغفل عنها، وألا يدعها للمصالح الشخصية أو الصدفة أو العواطف لتشكلها وتبحر به في عباب بحر الحياة.
الصداقة لابد أن تكون قائمة على أسس ومقاييس صحيحة، ولذا لابد من الاختيار الصحيح للصديق، فليس كل الناس جديرين بالصداقة، بل يجب على الإنسان أن يختار الأصدقاء من بين الناس، كما يختار الطير الحب الجيد من الحب الرديء (4).
تقبيل مركز الطاقة
قال الإمام الحسن (عليه السلام): إذا لقي أحدكم أخاه فليقبل موضع النور من جبهته (5). ماذا يحدث عندما تستقبل من تحبه بقبلة تطبعها على جبينه؟! إنك بهذا العمل تخبره بتلك المكانة التي يحتلها في قلبك، وبهذا العمل أنت تجني ثمار المحبة، وتعمق جذور الصداقة والأخوة بينكما.
إن تقبيل جبهة المؤمن يمدك بالطاقة فهو موضع النور، لأنه موضع السجود لله عز وجل، ومن ثم فهو موضع الشموخ عند المؤمنين ولذا فهو موضع بث الطاقة فيمن يقبله.
إدامة التفكر
قال الإمام الحسن (عليه السلام): أوصيكم بتقوى الله وإدامة التفكر، فإن التفكر أبو كل خير وأمه” (6). التفكير هو من صفات المتقين الذين قال عنهم ربنا {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [١٩١ آل عمران]. فهو غذاء العقل، وبه يرتقي ويسمو الإنسان. حينما يتحول إلى التفكير الإيجابي الذي يحرك ويدفع الإنسان للعمل والإنتاج والفاعلية.
ولذلك علينا أن نبتعد عن تلك الأفكار السلبية التي تدعو إلى التقاعس، وتسلب منا فرص النجاح. فمثلًا عليك أن تفكر وتطمح لما بعد التخرج من الجامعة مهما كانت الظروف الاقتصادية ضيقة والفرص الوظيفية محدودة، عليك أن تديم التفكير والبحث عن الحلول بطرق إبداعية. إن من يتربى على التفكير الإبداعي سيجد أن هناك فرصًا ذهبية في كل مكان وعليه أن يختار الأفضل منها.
من أراد النجاح في هذه الحياة فعليه أن يكون دائم التفكير في مختلف الأمور وأن يهتم بعقله أولاً. هناك فرصة أخرى؛ سُئل الحسن بن علي (عليه السلام) فقيل له: ما العقل؟ قال: التجرع للغصة حتى تنال الفرصة (7).
تتميز الفرصة بأنها “سَريعَةُ الفَوتِ، وبَطِيئَةُ العَودِ”(8)، كما وصفها الإمام علي عليه السلام
فهي قد لا تمهلك لحظات لترتيب أوراق سيرتك الذاتية لوظيفة ما، وهي لا تنتظرك وأنت في حال التردد هل تشتري هذا العقار أم لا؟ فالتردد مقبرة الفرص. الفرصة تقبل على أولئك الذين يستعدون لها، ويتهيأون لها كما تتهيأ العروس ليلة زفافها.
ولكن ماذا لو فاتتك الفرصة هل تبقى واضعاً يدك على خدك وتندب حظك، وتبكي على أطلال إضاعة الفرصة؟! قد تتجرع مرارة الغُصة كما قال الإمام الحسن ولكن عليك أن تنطلق للبحث عن فرصة أخرى فهذا هو العاقل. كما أن عليك أن تصنع الأجواء المناسبة للفرصة، لا أن تنتظرها، وعندما تلوح في الأفق عليك أن تتمسك بها وتعمل جاهداً لتحقيقها.
الهوامش:
(1) تحف العقول ص 168
(2) نهج البلاغة «الحكم » الحكمة ١٥٨.
(3) تحف العقول ص 168.
(4) الصداقة والأصدقاء الجزء الأول ص 52
(5) تحف العقول ص 170
(6) أعلام الهداية الإمام الحسن المجتبى ص 195
(7) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ١(1 – الصفحة 116.
(8) غرر الحكم: 2019.