من هما الملكان هاروت وماروت وما علاقتهما بمسمى تاروت؟ هل اسم جزيرة تاروت الذي كما هو سائد لدى أغلب الكتاب والمؤرخين أنه اشتق من الإلهة عشتار؟ هل هي نفسها من ورد اسمها في قصة الملكين هاروت وماروت؟ أم هناك عشتار أخرى؟
نجيب عن تلك الأسئلة مختصرًا عبر هذا البحث الآثاري والتاريخي، ونحاول جاهدين تصحيح المعلومات السائدة عن مسمى جزير تاروت وعمقها التاريخي.
أولًا من هما هاروت وماروت ومن هي المرأة التي وردت في قصتهما؟ قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ}.
ورد أنه بعد نبي الله نوح عليه السلام قد كثر السحرة والمموّهون فبعث الله تعالى ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم فتلقّاه النبيّ عن الملكين وأدّاه إلى عباد الله بأمر الله عزّ وجلّ وأمرهم أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه ونهاهم أن يسحروا به الناس وهذا كمن يدلّ على السم ما هو وعلى ما يدفع به غائلة السمّ ثم يقال للمتعلّم: هذا هو السم فمن رأيته سمّ فادفع غائلته بكذا أو كذا وإيّاك أن تقتل بالسم أحدًا، قال: وذلك النبي أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ويعلّماهم ما علّمهما الله من ذلك ويعظاهم. {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} ذلك السحر وإبطاله {حَتَّىٰ يَقُولَا} للمتعلّم {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} وامتحان للعباد ليطيعوا الله عزّ وجلّ فيما يتعلّمون ويبطلوا به كيد السحر ولا يسحروا {فَلَا تَكْفُرْ} باستعمال هذا السحر واضرار الناس به.
قال الراوي: قلت لأبي محمّد عليه السلام ـ الإمام العسكري ـ فان قومًا يزعمون أنّ هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم وأنزلهما الله مع ثالث لهما إلى الدنيا وأنّهما افتتنا بالزهرة وأرادا الزنا بها وشربا الخمر وقتل النفس المحترمة وأن الله يعذّبهما ببابل وأنّ السحرة منهما يتعلّمون السحر وأن الله مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة، فقال الإمام عليه السلام: «معاذ الله عن ذلك، إنّ ملائكة الله معصومون محفوظون عن الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى، قال الله عزّ وجلّ فيهم (لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)» (تفسير نور الثقلين ج1).
من هي الزهرة التي وردت في الروايات وكتب التفسير التي كان عامة الناس يتغنون بها ويدرجون اسمها في قصص الملكين هاروت وماروت؟ إنها تلك المرأة الحسناء التي فاق جمالها وتغنى بها الإنسان في زمن أور والمدن الأخرى وعبدها البعض بعد وفاتها ألا وهي (زهرة أو أنانا او عشتار). ذكرت قصة أنانا في كتاب أنتيخريستوس بالجزء الثاني على أنها هي بطلة القصة حيث يعرفها الرومان بفينوس واليونانيين بأفريدوت وعند العرب بالزهرة أو أنانا وعشتار. كانت أنانا من أشهر السحرة في مدينة أور التي تقع بالقرب من بابل العراقية، يومًا ما سمعت أن في مدينة بابل طغى سحر رجلان يدعيان (عزرائيل وشمهازي)، حيث قيل إنهما يعلمان السحر دون مقابل بل يطلبان ممن يتعلمه أن ينشره بين الناس، وهذا الأمر لم يحبذه سحرة مدينة أور، فبحث السحرة عن شخصية مؤثرة تذهب لتقتص حقائق ما نشر عنهما فتم اختيار الساحرة أنانا لجمالها حيث قيل إنه لا يصمد ملك أو ساحر أو رجل دين أو غيرهم أمامها فطلب منها أن تدون كل شيء عنهما.
ذهبت أنانا إلى بابل ووقفت على باب المغارة التي يسكنها الساحران الكبيران مع بقية الناس ممن جاء ليتعلم السحر، وفي وقت فتحت أبواب المغارة التي لا تفتح إلا مرة في السنة، رأت الساحرين اللذين ذاع اسمهما على كل لسان بابلي فقالت في نفسها “ليتني لم أرهما! هذه أول مرة أرى فيها بشرًا أجمل مني، يبدو أن مهمتي فشلت قبل أن تبدأ، مجرد أني نظرت لهما نسيت ما أتيت له.
دخلت المغارة فذهلت من جمالها المعماري من الداخل ففيها نهر لا نهاية له وسقفها عالٍ جدًا ومزخرف بالأحجار الكريمة والنفائس الملونة ومكتوب على إحدى الصخور التي وضعت داخل المغارة “من فتن بنا فليس منا ومن فتن بنا فقد كفر” فلم تفهم معنى ذلك. ومع مرور الأيام وهي تسكن المغارة مع بقية الناس تيقنت أن ما يعلمه عزرائيل وشمهازي (هاروت وماروت) عن الكواكب السبعة التي قال سحرتها إنها آلهة ويعبدونها ما هي إلا أجرام سماوية خلقها رب إبراهيم عليه السلام وكل تعويذة ساحر لها تعويذة تفكها.
وفي ليلة من الليالي راودت أنانا فكرة قالت فيها ليتني مت قبل هذا اليوم اللعين فخرجت من غرفتها ترتدي أحسن ما لديها وتكشف أكثر مما تستر فمشت وهي تخاطب نفسها وتفكيرها السيئ: “لابد أن لهما رغبات كباقي البشر” حتى وصلت لهما وقالت: هل يحرم على البشر في معتقدكم أن يتكاثروا؟ نظرا إليها دون اهتمام وكأنها نكرة ثم أكملت قائلة: أريد أن آخذ منكما ما لم يأخذه بشرٌ قبلي. فقال لها هاروت بكل هدوء: اذهبي عنا الآن ليكون خيرًا لك وألا يلعنك ربي في الملعونين، ثم قال ماروت: عودي إلى قومك ولا تكفري كما كفر قومك. صرخت وهي غاضبة: بكما كفرت وبربكما ما أنتما ببشر أنتما من الشياطين، وفي لمح البصر وجدت نفسها خارج المغارة. عادت إلى قومها ودوّنت جميع الأشياء التي سمعتها ورأتها وما واجهتها مع هاروت وماروت، فاستغلها سحرة أور فباغتوها وقتلوها لما وصفت معجزات الملكين وأعمالهما الحسنة وانتهت قصتها.
إذن أنانا أو عشتار بشر تأكل وتشرب ولها كل ما لدى الجنس البشري، لم تكن إلهة أو تحولت إلى نجمة تضيء في السماء، كما يدّعي البعض أن أنانا أو عشتار وبسبب أعمالها الشريرة، مسخها الله سبحانه وتعالى إلى نجمة تضيء في السماء! لعل هذا الاعتقاد من أكثر الأخطاء لدى البعض، كيف لإنسان أن يمسخه الله ويجعله نجمة تضيء وتزين السماء الدنيا من واقع أعماله الشريرة! هذا ما نفاه الإمام الرضا عليه السلام بقوله عندما سئل “عما يرويه الناس من أمر الزهرة وأنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت، وما يروونه من أمر سهيل. وأنه كان عشتارًا باليمن، فقال الرضا عليه السلام كذبوا في قولهم إنهما كوكبان، وإنما كانتا دابتين من دواب البحر فغلط الناس وظنوا أنهما كوكبان، وما كان الله تعالى ليمسخ أعداءه أنوارًا مضيئة، ثم يبقيهما ما بقيت السماوات والأرض، وأن المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت، وما يتناسل منها شيء، وما على وجه الأرض اليوم مسخ وأن التي وقع عليها المسوخية مثل القرد والخنازير والدواب وأشباهها إنما هي مثل ما مسخ الله تعالى على صورها قومًا غضب الله عليهم ولعنهم بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسل الله وأما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس ليتحرزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم وما علما أحدًا من ذلك شيئًا إلا قالا له: “إنما نحن فتنة فلا يكفر” فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه، وجعلوا يفرقون بما يعلمون بين المرء وزوجه قال الله تعالى: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) يعنى بعلمه.
بعد موت أنانا وانتشار صيتها في كل بقاع العراق القديمة، وتعاطف الناس معها، لا سيما بوصفهم لها بأنها فاتنة الجمال، تحولت إلى معبود الحب والجمال لدى العامة فوصفوها كما ذكره الدكتور العراقي فاضل عبدالواحد علي في كتابه (عشتار ومأساة تموز) “بأنها شابة ممتلئة الجسم، ذات صدر نافر، وقوام جميل، وخدين مفعمين بالحيوية، وعينين مشرقتين، إلى جانب جمالها الأخاذ، وسمو الروح، مع رهافة الطبع، وقوة العاطفة، والحنو على الشيوخ والأطفال والنساء في فمها يكمن سر الحياة، وعلى شفتيها تتجلى الرغبة واللذة ومن أعطافها يعبق العطر والشذى. يكتمل بحضورها السرور ويشيع مع ابتسامتها الأمن والطمأنينة في النفوس، غالبًا ما نشاهدها وهي تجوب الحقول بخفة ورشاقة فتتفجر الينابيع خلفها بالماء والعطاء وتزهر الأرض بالسنابل والنماء.
وقع في غرامها الشعراء، فخلدوها بأعذب الأوزان وأحلى القوافي. وهام بحبها الأدباء، فوهبوها أجمل النصوص الملحمية وعشقها الفنانون فرسموها على أرشق الأختام الأسطوانية وصنعوا لها أرقى التماثيل التي تكاد تنطق بالحياة وولع بها الموسيقيون فنغموها لحنًا راقصًا على أوتار العود وفوهة الناي”.
انتقلت عبادتها من السومريين إلى الأقوام الأخرى التي احتكت بهم أو تأثرت بثقافتهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كالأكديين الذين سمّوها (عشتار)، وشعوب جنوب الجزيرة العربية الذين أطلقوا عليها لقب (عثار أو عطار)، والكنعانيين والعبرانيين الذين سمّوها (عاشرا أو عشتروت)، وورد اسمها (أستر) في التوراة، والإغريق لقبوها بـ(إفروديت)، والرومان الذين جعلوها (فينوس).
ونظرًا لأن الأكديين (البابليين والآشوريين) هم الذين سيطروا على بلاد سومر منذ عام 1750 ق.م. وورّثوا ثقافتهم لمن بعدهم، فإن الاسم الأكدي (عشتار) هو الذي شاع بين الأهالي. ومن منطلق اسم عشتروت يعتقد البعض أن اسم جزيرة تاروت الموغلة في القدم اشتق من اسم هذه الإلهة، فكثير من الباحثين والعلماء من تناول مناقشة أصل مسمى جزيرة تاروت، فالبعض أطلق عليها في اللغات السامية (الخير والجمال) وذكرها اليونان في كتبهم (بتارو TARO- أو ثارو THARRO) كما جاء لدى الجغرافي بطليموس وفي كتب قدماء الصين بـ(TARU) أما في كتب تراثنا وتاريخنا القديم فذكرت باسم (عشتاروت) و(عشتروت) أما لدى الفنينيقيين فأطلقوا على اسم آلهتهم اسم (عشتار)، أيضًا أرجعها البعض إلى اسم المبنى ذي الصخور المنحوتة وبأحجام كبيرة جدًا والرابضة على تل مرتفع بجانب القلعة التي نراها شامخة في الوقت الحالي والمسمى بمبنى أو معبد عشتار أو عشتاروت.
ومن المقالات المهمة التي جمعت آراء المؤرخين والكتاب والباحثين مقال للمهندس جلال الهارون في مجلة الواحة تحت عنوان (قلعة تاروت) عن أصل مسمى تاروت:
“حقيقة ومن خلال كوني باحث آثار واطلاعي على بعض المقالات والآراء أختلف في رأيي مع جميع ما ذكر عن أصل مسمى جزيرة تاروت التي ذكرها السابقون، ولتوضيح الرأي:
أولًا: لماذا لم يسأل المؤرخ أو الباحث نفسه بمن أوجد من؟ بمعنى آخر هل كانت الإلهة سابقة البشر في تاروت أم البشر سابقين لها بالوجود على ارض تاروت؟ فإذا قلنا إن الإلهة عشتار سبقت البشر وسميت الأرض باسمها أو اشتق منها، فهذا ينافي العقل والمنطق، فعشتار ما هي إلا شخصية لها صفاتها الأخلاقية والخلقية قتلها سحرة أور بعد انتهاء مهمتها التي كلفت بها، ومن ثم ذاع صيتها في أرجاء البلاد حتى وصل إلى أقطار العالم فتحولت إلى معبود الحب والجمال والخصب بعدما تغنوا وتغزلوا بها في وصفهم لها.
إذن الصحيح أن البشر على أرض تاروت سبقت حادثة مقتل أنانا (عشتار) وتحولها إلى إلهة خالدة برمز نجمة في السماء (زهرة)، بمعنى أن من كان موجودًا على أرض تاروت تأثر كما تأثر العالم القديم بها فتغنوا وتخيلوها تجوب البساتين وتفجر الينابيع وغيره، فهو موجود على أرض لها حضارتها وصفاتها الدينية والمدنية ومن المؤكد أن لهذه الأرض اسمًا يشار له عند الحضارات الأخرى المعاصرة (خلال أعمالنا المشتركة مع بعثة البحث والتنقيب الألمانية عام 2011-2012م في موقع الدوسرية بمحافظة الجبيل، أردنا أن نعمل دراسة تعني بالموطن الأول لحضارة العبيد في شرق الجزيرة العربية التي دائمًا ما تؤرخ من قبل علماء الآثار والتاريخ إلى ما بين الألف الرابع والألف الخامس قبل الميلاد، عملنا على تحليل (تأريخ بـC14) بعض عينات لمخلفات مواد عضوية أثرية من أسفل تل قلعة تاروت والتي أعطتنا نتائج تأريخية أن تلك العينات تعود إلى 7850 سنة ماضية وأخرى تعود إلى 6250 سنة ماضية أي أن إحدى العينات تعود إلى 5850 قبل الميلاد والأخرى 4250 قبل الميلاد، فثبت أن حضارة العبيد وجدت في جزيرة تاروت قبل انتشارها إلى المناطق الأخرى، ومن هذا المنطلق يكون من البديهي أن هناك حضارة أخرى قبل العبيد في جزيرة تاروت ولو بعدد سكان قليل جدًا، علمًا بأن ازدهار حضارة السومريين في أور العراقية لم يثبت قبل 3800 ق.م، قبلها كانت قرية صغيرة لحضارة العبيد)، فما كان اسم هذه الجزيرة؟ هل هو تاروت؟
ثانيًا: تحليل اسم (تاروت): لو وزنّا مصطلح تاروت سنرى أنه على زنة (فاعول) وهو اسم ووصف معناه، (فاعولٍ في الاسم والصفة. فأما الصفة فنحو: حاطوم، يقال ماء حاطومٌ، وسيلٌ جاروف، وماءٌ فاتورٌ، والأسماء: عاقولٌ، وناموسٌ، وعاطوسٌ، وطاووسٌ) سيبويه. أيضًا اختلف العلماء على أن الأسماء أو الصفات التي جاءت على وزن فاعول أسماء أعجميعة والدليل أنها لا تصرف وأخرى تقول إنها تنصرف كما جاء عن اسم هاروت والتي هي مقاربة في اللفظ مع تاروت فقد ورد عن هاروت (جاء هذا اللفظ في قوله تعالى (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) أغلب المفسرين ذكروا أن ماروت اِسم أعجمي، وقيل إنّه لفظ فارسي قديم ولذلك فهو ممنوع من الصرف للعجمة والتعريف. و(ماروت ـ هاروت) هما الملكان اللذان نزلا ببابل يعلمان الناس السحر) غير أن بعض أصحاب اللغة ذكروا اشتقاقًا لهذا اللفظ إذ قيل إنّـه من الجذر (مرت) وهو الفلاة القفر ومكان مرت بين المروته إذا لم يكن فيه خير وهو المكان القفر الذي لا نبت فيه، وقيل المرت: الذي ليس به قليل ولا كثير، وجمع مرت أمرات ومروت وهناك من جمعه على مواريت مثل طواغيت. ولو قارنّاه بما ورد بلفظ تاروت فيمكننا صرفه إلى (ترت) أو الأقرب للمعنى (تر أو تار) والمثنى تاران والجمع تارو – توار، وتار فعل كما ورد في معجم المعاني الجامع والمعاجم الأخرى تار الماء: جرى وسال.
تار:
تار البحر: هاج
المعجم الرائد
تَار
تَار الماءُ تَار ُ تَوْرًا: جَرَى.
المعجم: المعجم الوسيط
المعجم: الرائد
تار
تار – يتور تورا
تار الماء: جرى، سال
المعجم الرائد
إذن معنى تار جريان الماء وتدفقه كفعل وأما الاسم فمعروف (كالأَسماءُ الجاريةُ على أَفعالِها تعتلُّ كاعتلالِ الأفعالِ فأَمَّا (فَاعِلُ) مِنْ قامَ وبَاعَ فتقولُ: قَائِمٌ وبائِعٌ – الأصول في النحو المؤلف: ابن السراج، عاش بين سنة 868م وسنة 928م).
لم أر كاليأس يغري بالبكاء
لا ولا كالدمع يفشي المستهام
كلما اشتدت بكم تار الهيام
ولعل الاسم خرج من جذر فعل (ثار)، كما نقول ثار الماء، ثارت النيران، ثار البركان.
ثارَ / ثارَ على يَثُور، ثُرْ، ثَوْرةً وثَوَرانًا، فهو ثائر، والمفعول مَثُور عليه.
ثار الماءُ: فار، نبع بقوة وشِدَّة.
وثار كاسم: فنقول ثار البركانُ أي قذف الحمم والمواد المنصهرة من بطنه.
ثار الماء أي فار ونبع بقوة وشدة.
ثارو – ثوار
إذن اسم تاروت اشتق من جريان الماء وتدفقه، حيث من المعروف لدينا كآثاريين أن جزيرة تاروت تعج بالآبار العذبة فمنها ما كان على اليابسة ومنها ما كان موجودًا على شاطئ تاروت وإلى الداخل من خليج تاروت، حتى الإله جلجامش في ملحمته المشهورة ذكر تلك الينابيع بوصفها بأرض الخلود والتي كان يقصدها أرض دلمون ككل (البحرين وتاروت وربما الظهران لوجود آلاف المقابر الدلمونية)، وكيف أن المياه تتدفق من عيونها وآبارها وجمال نباتاتها وسحر أزهارها التي تخلد الإنسان عندما يأكل منها.
الخلاصة:
من شق الاسم ومن أطلق على تاروت هذا الاسم؟ من المعروف أن من قطن الخليج العربي القديم بامتداد ساحله وإلى الداخل من جنوب بلاد الرافدين هم الكنعانيون الساميون الذين بدأوا بالظهور في بداية عصور ما قبل التاريخ، في الفترة التي تُعرَف باسم العصر الحجري النحاسي المُمتدّة من عام 4000 -3000 ق.م، أو أقدم بقليل، ثم هجرتهم التي بدأت في العصر البرونزي الممتد ما بين 3000 ق.م إلى 1200 ق.م وباستقرارهم في بلاد الشام خلال العصر المسمى بالحديدي خلال الفترة ما بين 1200 ق.م إلى 332 ق.م.
لعل من شق اسم تاروت على الجزيرة في رأيي الشخصي والذي أرجحه إلى الصواب هم الكنعانيون القدماء الذين اشتهروا بالقوة الجسمانية حتى أطلق عليهم العماليق، فشقوا الأراضي للزراعة واهتموا بها وحفروا الآبار وبنوا العيون بقنواتها. حيث اشتق الاسم من (Tr) والذي يعني كل شق (مفرد) في الأرض سواء كان ينبوعًا طبيعيًا دون تدخل البشر أو حفر وبني بواسطة الجماعات الكنعانية.
وعند جمع المفرد في اللهجات الكنعانية يضاف له الواو والتاء في آخره، فتصبح كلمة (tr) إلى (trot) (تروت) كما يتم تأنيث اسم المذكر بإضافة حرف التاء نهاية الكلمة، علمًا يأن أغلب اللغات القديمة التي تفرعت من الكنعانية لا تكتب حروف العلة في وسط الكلمة (أ، و، ي).
لو أضفنا حرف الألف وسط الكلمة الذي ينطق ولا يكتب لأصبحت الكلمة (تاروت)، أي أنه الاسم المعروف حاليًا باسم جزيرة تاروت، أو أنها كانت معروفة بـ(تروت) فترة من الزمان حتى حرف الاسم إلى تاروت، ليسهل نطقها. وهذا ينطبق أيضًا على مسمى (تويريت) الواقعة بالشمال الغربي من بلدة الأوجام والتي هي تصغير لمصطلح تاروت، فعلاقة حفر الآبار وتدفق المياه وتجمعها واحدة، ولا علاقة لها بتاريخ تاروت، فجميع التقارير للمسوحات الأثرية القديمة والحديثة التي قمت بإعدادها أو أعدها زملائي الباحثين تشير إلى عدم وجود صلة أثرية بهما، فقط بالمسمى والذي اشتق من جريان الماء وسيلانه.
وهنا وكما أشرنا أعلاه إلى أن اسم تاروت أسماها الكنعانيون بمصطلحهم (تروت) يمكننا القول بأن جزيرة تاروت تحتفظ بمسماها منذ أكثر من سبعة آلاف سنة وهذا يميزها عن باقي المدن التاريخية والأثرية في العالم أجمع.
معلومة/ هل تعلم أخي القارئ أن مصلح تاروت عند قراءته معكوسًا من اليسار إلى اليمين تصبح الكلمة (توراة).
أدعو زملائي الباحثين الآثاريين والتاريخيين وجميع المهتمين بقراءة ما أشرت إليه أعلاه وتصحيح رأيي إذا كنت قد أخطأت.
أزهر عبدالله التوبي
tazzhr@yahoo.com
هيئة التراث فرع المنطقة الشرقية