إن الكاتب يختلف عن غيره بكونه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بذاكرته، لهذا تجده في حاجة لما يروي هذه الذّٓاكرة التي تجعله قلقًا وحزينًا، سعيدًا ومُبتهجًا، الكتابة قد تكُون هُروبًا من ظلّ، والولوج إلى ظل شجرة أخرى.
إنّٓه لا يعلم ما يُريد، إنّٓه يجلس ليكتب، بعد أن قام بعمل فنجان قهوته، تأملها للوهلة الأولى، تتدحرج رغوتها، وتنساب على أطراف فنجانه، لتبرد القهوة بجانبه، وهو ماسك بيراعه، ويُحدق مليًا في بياض قرطاسه، يُصغي إلى نبضات قلبه، ويُرتب حُبيبات أفكاره، إنّٓه يصمت طويلًا، لتقُول له زوجته وأولاده، لما كُل هذا الصّٓمت؟! هل بدر منّٓا ما أزعجك؟!
وهُنا، إذا أردنا معرفة الدّٓافع الذي يجعل الكاتب، يُمارس فعل الكتابة، يأتي الحديث عن الأثر، والأثر يختلف عن التّٓريف الذي يخص ماهية الشّيء.
في الإجابة عن الدّٓافع الذي يجعل الكاتب يكتب أراه يتقاطع مع العشق، فالكاتب، أراه وأصيغه إنسانًا عاشقًا، لهذا لا يمكن توصيف الدّٓافع للكتابة، فإنّٓ حالات العشق غريبة، فهل نستطيع تفسير قيام الكاتب فجرًا لتناول الطّٓعام والبحث في الثلاجة عن شيء ما، لا يعرفه، أيضًا ليست له القدرة على توجيه السؤال لذاته، ليعرف ما يُريد منها.
يُقال: إن السّٓعداء، هُم الذين لهم القدرة على الانزياح عن الذّٓاكرة.
إن ما نشعر به أو يشعر به الكاتب، ليقول البعض – على سبيل المثال لا الحصر – إنٓ الحاجة تُطل من نافذتها، لتكون سببًا للكتابة أو الألم أو الاستفزاز، كُل هذه الأسباب وأمثالها، تُمثل توصيفًا لما هو السبب الحقيقي.
إنّٓ الكتابة، تأتي تيهًا ذاتيًا، رغبة في مُعانقة الكلم، تأتي لتجعل من المُعادلة لا منطقية، تتأرجح فوق معصميها الأفكار، وتلبسها الدُّموع، وتزغردها الشفاه الباسقات في الأبجدية، وعنفوان معانيها.
وإذا تعمقنا في البيئة الكتابية لبعض الكُتاب، من يجعل له مكانًا فوق شجرة، ليكتب أو أن يستغرق بعضهم السّٓنوات في كتابة مُنتج، وآخر يكتبه في ثلاثة أيام، لا أرى -تواضعًا- أنّٓه يُمكننا توصيف الدّٓافع للكتابة.
وعليه، لنكون بقرب ما يُراد توضيحه في دافع لا أجد له تعريفًا، يستطيع تبيان كنهه، لنُشير ببضع كلمات عنه، وهذا يُحولنا إلى مفهوم الحُب، فهل استطاع الكُتاب إيجاد تعريفًا لماهية الحُب، ويضعون على القرطاس والآذان هذا التّٓعريف، لم يستطيعوا، إلا أنّٓهم استطاعوا أن يُعرفوه من خلال آثاره، على قانون الأثر، يدل على المؤثر.
إذًا، من يكُون عاشقًا، فإنّٓ هذه العلاقة العشقية، ستكون ظلاله وبيىئته، أنفاسه وآهاته، ألوان الطبيعة في ابتهاجها، والحياة في تقلّباتها، ستأتي دافعه للكتابة.
وفي ذات الضّفة، وعند الحديث عن الكتابة والدّٓافعية التي تُمثل جدلية ما بين الحالة الكلاسيكية وبين الذي اخضرار جميل نشعر به في ذواتنا، ولا نُبصره إلا عبر نتاجنا الذي يُشبه غيبوبة اليقظة، وإدراك الغيبوبة.
إنّٓ الكاتب لا يُؤرقه التّٓجاهل من قبل القارئ أو إحساسه بعدمية التّٓفاعل مع ما ينسجه يراعه، ويُغذيه بأفكاره، خُصوصًا إذا كان مُنجزه راقيًا، ويتمتع بالإبداع والتّٓميز، لأنّٓ الكاتب المُبدع، يأتي كُلّٓ اهتمامه على ما يعمل عليه، قلقه، يُؤرقه من خلال الابتعاد عن الإبداع، الضّعف في مُنجزه، بكونه واثق الخُطوات، يعلم أنّٓ للإبداع أهله، وطالبيه الذين يسعون بحثًا، ليجدوه، ويفترشون أعينهم على أحرفه، ليغرقوا فيها وعيًا، يُشاكسه اشتهاء اللّحظة.. .
ما يُؤرق الكاتب ليس التّٓجاهل، الكاتب مهووس بالأشياء، يهرب من الواقع، ليعيش عالمه الذي ينبض به يراعه، ويُغذيه بأفكاره، التّٓجاهل من عدمه، يأتي نتيجة لما يُطرح، ثمّة شيء مُهم، مفاده: إنّٓ المُنجز إذا ما كان مُدهشًا، لتجد التّٓفاعل، يأتي إليه مُشتاقًا، وإنّٓ كان التّٓجاهل قد حدث، برغم إبداع المُنجز، فإنّٓه الكاتب لن يُزيده ذلك إلا نشاطًا.
وهذا – بالضرورة بمكان – لا يضع الكاتب في زاوية أنّٓه، يكتب ليثبت ذاته.
إنّٓ إثبات الذّٓات أو ما يُسمى جدلًا صناعة الاسم، يأتي نتيجة وليس هدفًا، فالكاتب المُجتهد، الطّٓموح الذي لا يكل أو يمل في طلب العلم والمعرفة، يُصغي ليتعلم، يُبادر، ليُتقن، فإنّٓه، سيُحقق ذاته، ويصنع له اسمًا، لأنّٓها النتيجة المنطقية لكُل مُجتهد طموح، أليس لكُل مُجتهد نصيب؟!