وتناولت “يوسف” في إصدارها موضوعات عن خساراتها وانكساراتها، كأنَّها تُسطر الدُّموع أبجدية، تُغذيها من أنين الفقد، على الاختلاف من بوحها في إصدارها الأول الذي جاء بعنوان “ديوان رسائل دوّار الشمس”، الصّادر عن دار “الفارابي”.
تقُول عنه: “يُمثل الإنسان وحدة وجودية في هذا الكون، فلا يُمكن تجزئة الإنسان، كذلك هو الأدب بما هو رديف، وتمثُل لوجود الإنسان ورُؤاه، وكتاباتي تنتمي لهذا النَّوع من الأدب، بما يحمل من موضوعات، وتجارب، وتفاصيل، من طمأنينة وخوف، حُب وحزن، انتصارات وانكسارات”.
حِيل الإنسان
وبيَّنت الشَّاعرة رباب يوسف التي كان أول نُصوصها في عالم الكتابة نصًا وجدانيًا أشبه بحوار بين الإنسان وخالقه، لتبدأ من هُنا، من هذه البدايات التي تستشعر فيها بالشَّغف، لتبدأ المُحاولات التي ترسم الدَّرب، أنَّ حكاية إصدارها “الخسارات تُهوّنُ على بعضها”، هو إصدارها الثَّاني بعد رسائل دوّار الشَّمس، مُوضحة أن كليهما يُمثل فترة ما، وتجربة ما من حياتها.
وقالت: “ربما يبدو في إصداري الأول الكثير من الأمل، لكن الثَّاني يحمل عنوان الخسارات، رغم أنَّ الاثنين يحملان من هذا وذاك، لكني هُنا أرصد خساراتي المُبكرة جدًا، في الفقد والرَّحيل، الانكسارات والخسارات، أقف أمامها، أُحاورها، أضعها أمام عيون كثيرة، ولغات عديدة، أُحاول من خلالها أن أفهم حكمة الأقدار وتدبيرها، لأنهض من جديد”.
وأوضحت أن عنوان الإصدار هو عنوان إحدى قصائد الدّيوان، وهو في أحد وجوهه يعكس سُخرية الحياة وقهرها وصُروف أحوالها، تاركة القارئ يكتشف بقية الوجوه.
وأشارت إلى أنّٓ الأدب لا بد أن يحمل فلسفة كاتبه، وعيونه ورؤاه، لذلك مهما بدا الأدب والشّعر خاصة فنًا رُومانسيًا، إلا أنَّه غالبًا ما يحمل أشدُّ الأفكار ألمًا أو تعقيدًا، لكن بمُعالجة جمالية خاصة.
وبيّٓنت: “إنًّه فعل الأدب والفنون عُمومًا، أن تُشذب يباس الحياة، وتُهذب قباحاتها، فنكُون أقرب لإنسانيتنا، وفي الخسارات التي تُهوِّنُ على بعضها”.
وتابعت: “تلك الجدلية بين الحياة والموت، فيما تُعطي وتأخذ، وكيف ومتى، ما تُريد لنا وما نُريد لأنفسنا فيها، فلا توجد مكاسب خالصة ولا خسارات خالصة غالبًا، هي دوائر الحياة وسُننها، وإحدى حِيل الإنسان في البقاء، هي الإيمان بأنَّ خساراته تُهوِّنُ على بعضها، فكُلما خسر أمرًا قال حسنًا، أن يفقد يدًا أفضل من أن يفقد يدين، أن يفقد يدين، أفضل من أن يفقد كل أطرافه، وهكذا تُهوّن الخسارات على بعضها”.
وعن بيئتها في نسج يراعها، قالت: “لا وقت مُحدد للكتابة، الأفكار تلمع كومضات سريعة، وتذهب في أي وقت وأي موقف، وهنا تحديدًا يأتي دور الشَّاعر أو الكاتب في قُدرته على القبض على الفكرة أو الصُّورة من خلال استحضار أدواته من خيال ولغة وتأويل”.
وتابعت: “كما أن أي نص من أي نوع، يمر بمراحل من الهدم والبناء، والبلورة حتى يخرج بصورته النّهائية، لكنني أنتمي لتلك الكائنات النَّهارية، لذلك فإنَّ ساعتي الذهبية في الصباح، حيث أقرأ وأكتب غالبًا”.
البلاغة واللغة
وذكرت “يوسف” أن دور البلاغة في الكتابة، أنَّها تجعل النص أكثر إفصاحًا وبيانًا، لتكُون أقرب للقارئ ووعيه، وأنها تُقدم عدَّتها لتعمل في فكره، تُحفزه ليصل لداخله، ويفهم ذاته، ويقدم رأيه الشخصي وتأويله.
واستطردت: “لذلك أجد البلاغة أداة فكر وعمل أكثر من كونها زُخرفًا جميلًا، عدا عن كونها تُطري النص وتجعله أكثر خفة”.
وأردفت: “لذلك أي نوع من الكتابة بدون البلاغة سيبدو عملًا جافًا، لذلك تستطيع أن ترى البلاغة والأساليب الجمالية حتى في الأبحاث والكتابات العلمية، وذلك يعود مرة أخرى لوحدة الكون والوجود”.
وأشارت إلى أن المُقومات التي ينبغي توفرها في الشاعر أو الكاتب بمختلف ألوانه؛ تأتي في الوعي والثقافة والإحساس الإنساني العالي، والتذوق الفني، والتمكن من اللغة وأدواتها.
الخُروج من القوقعة
وعن المُنجز الأدبي في محافظة القطيف، ونضج التَّجربة الشّعرية بكُل ألوانها، توضح “يوسف” أن المنُجز الأدبي في القطيف مُتعدد في اتجاهاته ومُستوياته، كما هو حال المُنجز الفكري والثَّقافي والمُجتمعي بشكلٍ عام، والذي لا يمكن حصره في اتجاه أو أيديولوجية واحدة، أو فصله عن ظُروفه المُحيطة كجزء من الوطن والهوية إجمالًا.
وتابعت: “يبدو أكثر نُضجًا كُلما خرج من القوقعة، حاملًا ملامحه الخاصة نحو فضاء أكثر رحابة”.
وبينت رُؤيتها في النقد الأدبي في القطيف وفاعليته، لافتة إلى أن النقد الأدبي في كُلّ مكان يُعاني انحسارًا ملحوظًا، وذلك لعدة عوامل منها؛ التغيرات التي طالت شكل الصحافة والإعلام ودورهما وآلية عملهما، أيضًا تفلُّت النَّشر، واختلاف تيّار الذَّوق العام السَّائد وتوجهاته الثَّقافية، ولا يمكن أن نغفل أنَّ العلاقة بين الاثنين تبادلية بالضَّرورة.
واسترسلت: “أما عن فائدة القراءة النَّقدية، فهي تجعلها أصفى وأقوم، فالنَّقد ضرورة للشاعر ولسِواه، بل هو مهم لأي عمل إنساني”.
المُنجَز قبل المُنجِز
ودعت “يوسف” إلى الاهتمام بالمُنجَز قبل المُنجِز، بعيدًا عن الشّللية، مُوضحة أنَّ الشّللية موجودة في كُل المجالات في المجتمع للأسف، لكنَّها تبدو أكثر استفزازًا في الجوانب الثَّقافية، بحكم أن الثقافة فعل سُمو ورُقي، يجب أن يُقربنا من إنسانيتنا لا أن يُنتج المزيد من الحواجز.
ونوهت: “كما يجب أن يُنظر للمُنجَز قبل المُنجِز للعمل والإنتاج قبل الاسم واللّقب، وفي هذا تُعيد الشّللية إنتاج القيود بدل أن تتخطاها”.
وفي كلمتها الأخيرة، وجهت “يوسف” الحديث للحزانى والفاقدين والحالمين قائلة: “احضن أقدارك برفق، تخفَّف من الدّهشة لئلا تتكسر أو تحترق في الهشيم، هشَّاً تكُن حين تغلب حكمَتَك دهشَتُك”.
يُذكر أن الشاعرة والكاتبة رباب يوسف، درستُ الإعلام وعلم الاجتماع، حائزة على ماجستير علم اجتماع المعرفة والثَّقافة، كتبتُ في عدد من الصُّحف والمجلات، وأقامت أمسيات شعرية محلية وعربية، ولها مُشاركات ثقافية مُتنوعة.
– بكالوريوس علم اجتماع (جامعة الملك فيصل).
– صدر لها ديوان سابق رسائل دوّار الشمس، عن دار الفارابي.