كَتَبَ لي مستحثاً:
مع كورونا، أخذتني الأحلام، والأفكار والخيالات إلى عالم الكتابة… ولقد سألتني، ولم أجب!.. وأنّى لي الكتابة، والكتابة تحتاج إلى “تقييد” ما أسهل أن تُنسى الأحلام (وقد كانت كثيرة.. وصافية كماءٍ زلال)، وأن تختفي الخيالات (وقد كانت تحوم حولي كنجوم الليل اللتي أحلم بها)، وأن تتداخل الأفكار كلّما تشابكت، ومهما مسكت بزمامها، كحُمُرٍ مستنفرة، فرّت من قسورة.
فرددت عليه متلطفاً:
انا معك في ان في الكتابة تقييد؛ إلاّ أنّها قيدٌ عذبٌ ووثاقٌ جميل..
ولكن ما إن تشرع بالكتابة فإنك حتماً ستجد لذةً مضيعة وقدرةً متقدة والأفكارُ تاخذ بعضها بزمام بعض، عندها ستعجب من ملكاتك الإبداعية التي أرقدتها، ومن طاقاتك السامقة التي تطير عندما تترك لها عنان الاستنفار من ساحة وعظمة سلطان ملكاتك..
فابدأ ببسم الله ولن تربح إلاّ نفسَك المحلّقة وقلبك المشع..
ولكن حذارٍ من الانجرار لخواطِرك البكر وسوانحك الغضة من غير محاكمةٍ للعقل واللب والاستنارة بالفكر والمعرفة والاستزادة من بساتين العلماء ورياض الأدباء.
فقد تهبط عليك بعضها في حسناء لعوب وغيداء طروب، غارقة الأحلام متدفقة المشاعر متزملة بالجمال.
أو في فتى غِرٍ يستميل خِفَةً ويستروح دِعَةً بخيالاته الجامحة التي لم تنضجها التجارب ولم تصهرها أُتون الحياة..
وقد تتنزل عليك في شيخٍ هرمٍ يستشرف المستقبل ويستنطق الحكمة وكأنها وحيٌ من قدرة خلاّقة..
وقد.. وقد..
فعبقرية بيانك وسحر لسانك في أن تتقمص الحياة بتفاصيلها الملوّنة وبشخوصها المتباينة وبأطيافها المتعددة؛ فإن كتبت فاكتب متواضعاً منصفاً ومتأنياً مترفقاً وسمحاً كريما وحكيماً مستشرفا..
فإن كنت متواضعاً؛ انصفت الآخرين في حكمك، وقلّبت النظر في رأيك؛ فإنه (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).
وإن كنت متأنياً لم تعجل بحكم جائر أو رأي خائر مراعياً قول العزيز الحكيم: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
وما أجملك كريماً سمحاً؛ فعندها لن تبخل عن زاد شريف ولن تكسل عن فكر حصيف..
أما حكمتك فهي التي تحبب القلوب لمقالك وترغب الألباب في اقوالك؛ فتركت الفضول والهذر والحشو والفجاجة واللجاجة وكنت لجوامع الكلم أقرب ولمحاسن الكلام ارغب..
وليكن قلبك مشعاً بالحكمة وعقلك مشرقاً بالفكر وروحك متوهجةً بالأخلاق، رائدك قلبك وعقلك ولبك؛ في هدى السماء ونور الإيمان، في الله مسعاك ولله قصدك..
ولتخاطب -أيها الحبيب- قلبك الطاهر المبدع عند طلائع الإشارات وأولى العبارات هامساً:
إن نفساً أبدعها المصوّر القدير والخالق العظيم لقادرة أن تمنحني فيوضاتها السخية وتهبني ثمارها المباركة.
دامت بركاتُ يَرِاعك..