النخلة وثمارها، تعتبر جزءًا من الثقافة والهوية للمواطن بالمملكة العربية السعودية، والأحساء، بالخصوص التي كانت قصبتها قديمًا هجر، وفيها قيل المثل العربي (كجالب التمر إلى هجرِ)، ووردت فيها الحكايات الشعبية (كقصة أم السعف والليف)، والأمثال الشعبية (لا هو فوق عذوق ولا هو تحت عروق) و(تأكلك أم الخضر والليف) وغيرها من الأمثال، والألغاز كقولهم (محزومة بطنها منفوشة كشتها.. وش رنقة “رنگة” أي ما هي؟)، وتاريخ وجود الإنسان بالأحساء متجذر تاريخيًا، فهي كما أعلنت اليونسكو عام ٢٠٢٠م، أن هذه الواحة هي مهد أو أصل النخلة، ومنها انتقلت إلى الجوار، إلى أن اكتمل حزام النخيل في العالم عبر القرون، وأعلنت في جينس للأرقام القياسية أنها أكبر واحة في العالم (٣ ملايين نخلة مثمرة)، وعلاقة الإنسان الأحسائي بالنخلة، من قبل الميلاد، سجلها التاريخ منذ حضارة دلمون، وأيام الفينيقيين، والكنعانيين، قبل هجرتهم من شرق الجزيرة العربية، وهجرتهم شمالًا، والذين انتسب الاسم الفينيقي لهم الذي يعنى النخلي من (نخيل التمر ولونه الأرجواني)، فأصبحت شعارًا لهم في بعض مسكوكاتهم، وكذلك (مملكة دلمون) التي لا تخلو أختامهم من النخلة، وغيرها من الممالك التي عاشت بالأحساء التاريخية (شرق الجزيرة العربية) وحوض الخليج، فكانت تسوق منتجاتهم عبر أسواق هجر، كالمشقر والصفا، وغيرها من أسواق شبه الجزيرة العربية، وخارج حدودها التي تصدر عبر ميناء لعجير (العقير) إلى بلاد فارس، والهند، وغيرها، أو عبر خطوط القوافل، إلى غرب وجنوب الجزيرة العربية، وشمالًا إلى وادي الرافدين.
وقصة دخول أهل الأحساء للإسلام (المعروف في حينه ببلاد البحرين)، لما قابل وفد عبدالقيس رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكانت آخر وفادة بقيادة الصحابي الجليل الأشج العبدي رضوان الله عليه، وحديث الوفد مع النبي (عليه الصلاة والسلام)، كانت ثقافة النخلة والتمر حاضرة في حديثه معهم، وحاورهم على أنواع تمورهم، التي تنتجه نخيلهم، (فجلبوا معهم ستة وعشرين نوعًا) وتحدث لهم عن أجود الأنواع وهو (تمر البرني) الذي يقال إنه (تمر الخُلاص المعروف الآن إذ أنه أجود نوع في العالم)، وحثهم على الإكثار من زراعته، فهذا يوضح دوره عليه الصلاة والسلام في النهضة الزراعية لبلاد البحرين في تلك الحقبة والتي استمرت إلى يومنا هذا بالأحساء والمناطق التي تتبع بلاد البحرين في حدودها.
معنى الصرام وأهميته بالمجتمع الأحسائي:
موسم ينتظره الفلاح بفارغ الصبر ليشاهد ثمرة إنتاجة ومحصوله وجهده الكبير طوال العام في رعاية النخلة، فماذا يعني له الصرام؟
١. موسم صرام النخيل بالأحساء كما أشار بذلك المهندس عبدالله الشايب أحد المهتمين بالتراث الأحسائي أنه (يعرف أيضًا بموسم الصْفري) فماذا يعني الصْفري؟
(أ). “الصفري عند العرب هو: “موسم الحد الفاصل بين الصيف والشتاء وهذا يبدأ، منذ دخول نجم سهيل فيقال بالمثل الشعبي: “إذا طلع سهيل تلمس التمر في الليل” أي بداية نضجه وجاهزيته. (ب). وفي معجم المعاني يقال:اصْفَرَّ الزَّرعُ: يبس ورقه وآن حَصاده ويقال أصْفَرَ الشيءَ: أخلاهُ مما فيه. (ج). وتنقل (صحيفة اليوم) عن أحد فلاحين الأحساء الذي يوضح الأقرب لمعنى الصْفري : “اعتدنا سنويًا معرفة موعد صرام التمور. وهناك استدلالات على نضج التمر من ذلك تحول لون العذوق (الشمروخ) إلى اللون الأصفر الغامق”. ملاحظة؛ من خلال المعاني السابقة يتضح لنا معنى موسم الصفري من خلال الاستدلالات والقرائن للمتغيرات على حالة النخلة والأجواء المحيطة بها.
٢. فالصرام كما ذكر في معجم المعاني الجامع أن الصِّرَامُ يعني: جَنْيُ الثمر والصِّرَامُ: أوانُ نضج الثمر.
٣. والصرام إجرائيًا كما أرى: هو نشاط بدني يعتمد على صعود النخلة ليظهر النخلاوي مهاراته في قص العذوق لنتاج عام من الرعاية للنخلة.
عرس أحسائي كل عام في نخيل الأحساء:
موسم الصرام يشبه العرس والفرح للفلاح (النخلاوي) ولأهل الأحساء وينتظر الموسم مجتمعات الجوار والشمال والشام ونجد والجنوب واليمن، ولأهل براري الأحساء وعموم البدو في الجزيرة العربية لهذا الإنتاج.
ففي هذا الموسم كان النخلاوي، يذهب باكرًا (من غبشة)، إلى نخله مع بقية المكارية للصرام، فضلًا عن أولاده من أهل بيته كزوجته أحيانًا وأولاده وبناته وأرحامه، وأصدقائه، أو الجيران، فكان يعتبر موسم خير كثير عليه، فالفقير والجار والصديق والأجير، ينتظر (النغصة) الهدية التي يتهادونها فيما بينهم بعد موسم الصرام؛ يقال في الحسا: (في الصرام كل الناس كرام)، ويقول ابن لعبون:
عل غريم الشوق يشبع منك يوم
… شبعة المسكين بأيام الصرام
وفي هذا الموسم يفتح باب العمل للأسر الأحسائية للحاجة إلى أيدٍ عاملة تساعد في جمع سقاط التمر حيث يتناثر تمر عند قص العذق ورميه.
الصرام فرص عمل للشباب والشابات:
لو تم استغلال هذا الموسم، فسيفتح باب فرص وظيفية كمدخول للأسر الأحسائية، من خلال الصرام بإمكان الفتيات أن يقمن بجمع الثمر بكل مهارة، ودقة، ونظافة، ويساهمن بإبداعهن في فن تغليف وتعليب (كناز) التمر، بحيث يعاني الكثير من أصحاب المزارع من بعض العمالة وشكواهم من بعض السلوكيات في هذا الموسم، وكتب أحد ملاك بعض نخيل التمر عند موسم الصرام وما تعرض له من سرقة (انتبهوا من لصوص الصرام/
اليوم الساعة نحو ٣:٠٠ بعد الظهر فوجئت بأن أحدًا قص عذوق نخلة الشهل عدد ٨ عذوق حسبي الله ونعم الوكيل حرمنا من آخر الرطب، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
تجربة سياحية لن ينساها السائح:
بالإمكان في هذا الموسم أن تسعى هيئة السياحة في الأحساء، وبالتعاون مع الجهات الزراعية المسؤولة، وبالتعاون مع منظمي الرحلات والمرشدين، بتسويق إعلاناتهم السياحية للأحساء وجذب آلاف من السياح للأحساء، في هذا الموسم الذي لا يتكرر كل عام إلا مرة واحدة لعدة أسابيع، للمشاركة في فعاليات موسم الصرام ومشاهدة صرام النخيل مع التنسيق والاتفاق مع أصحاب المزارع في هذا الشأن، الذي سيساهم في إضافة دخل إضافي لأصحاب المزارع، وذلك بشراء بعض منتجات المزرعة كالتمر الذي تم صرامه، وغيره من منتجات المزرعة، وتعريفهم بمرحلة (الكناز) تعبئة التمور وتخزينها ورصها لتصبح جاهزة للأكل، ففيها فرصة لتقديم تجربة وخبرة جديدة للسائح ومشاهدة ممتعة ومثيرة بالنسبة له، ومعاينة ميدانية للحدث الكبير في مزارع الأحساء التي ترجع خبرتها وعلاقتها بالنخلة إلى ما قبل الميلاد.
توصية:
أن يتم استغلال هذا الموسم الكبير للأحساء بجذب السياح إليها، بعمل منظم في انتقال السائح من المزارع ومصانع التمور إلى الأسواق التي تبيع هذه المنتجات، وسيمكن للسائح أن يعيش تجربة فريدة ومميزة تتكون معها خبرة ينقلها للآخرين وأن يستدام تكرار الاستفادة من موسم الصرام ليكون مهرجانًا سنويًا للواحة.
اختام دلمونية توضح حضور النخلة بها
مسكوكة فينيقية استخدام النخلة كشعار لهم
مصادر
١. صحيفة الرياض /موسم الصرام والنخلة مصدر استلهام الأمثال الشعبية.
https://www.alriyadh.com/50997.
٢.مقابلة مع المهندس عبدالله الشايب.
٣.مراجعة الأستاذ عبدالخالق الجنبي.
٤. أجمل ما قيل في النخلhttps://mawdoo3.com/.
٥. الفينيقيون https://ar.m.wikipedia.org /wiki.
٦.قوقل/الأختام الدلمونية.
٧. ماذا يعرف السعوديون عن الصفري؟
https://www.alarabiya.net
٨.https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/.
٨.صورة المصور/عبدالله الياسين للصرام.