عندما يقف الحجّاج بعرفة، في اليومِ التَّاسع من شهر ذي الحجة، وعندما تأتي ليلةُ الرَّابع من شهرِ محرَّم واليوم الرَّابع منه، نسمع اسم مسلم بن عقيل عليه السَّلام يصدح عاليًا فوقَ المنابر وفي الدور، ويبكي عليه محبوه. ولا يذكر حديث شهادةِ مسلم إلا ويقترن بضياعه في أزقَّة الكوفة، ووقوفه على بابِ امرأة اسمها “طوعة”، ثم قتله غدرًا. لا يذكر التاريخ كثيرًا عن طوعة، لكن من المؤكد أنه ليس من نشاطٍ فرديّ أو جماعي نجح دون المرأة.
زوجة زهير بن القين، أم وهب، السيّدة زينب عليها السلام، فاطمة بنت حزام “أم البنين”، زوجة علي بن مظاهر الأسدي، وغيرهن كن نجومًا لمعنَ في سماءِ المعركة، واجتمعت فيهن عناصر الحماية والإعلام والقيادة وحتى القتال والشَّهادة، ودونهن كان من الصعب أن يكون الانتصار بهذا الحجم والتمدد في التَّاريخ، وكل رجل استشهد كانت له على الأرجح زوجة أو أمّ أو أخت وغير ذلك من النساء، إما لم تمانع أو حثته على الصّمود والقتال والشَّهادة.
طوعة، كانت ستكون امرأةً عاديَّة جدًّا، جارية للأشعث بن قيس، لا تذكر في التاريخ مثل مليارات النِّساء، لكنها قامت بما عجز عنه الرِّجال آنذاك في الكوفة، وعرفت أن الفرصة أتتها دون أن تبحث عنها، حين وقف ابن عقيل على بابها يطلب اللجوءَ والنَّجدة والماء، فسقته الماءَ وأوَته، ولكن كان من أمر نهاية مسلم ما كان، ولم تنتهِ معاناة طوعة إلا بنهاية حياتها.
كان بإمكان طوعة أن تقول لمسلم: أنت حمَّلتني ما لا أطيق “كتب القتلُ والقتالُ علينا * وعلى المحصناتِ جر الذيول”، فارحل يا مسلم، ومسلم لن يتردد في الرَّحيل وسوف يعذرها، لكن على ما يبدو أن المواقف العظيمة الخالدة ليست حكرًا وخاصَّة بالرجال دونَ النِّساء، بل لأن ذكورة التاريخ أضعفت الذاكرة الجماعيَّة من تسجيل المواقف الخالدة للنِّساء، وإن خلدتها، فعلى استحياء!
لم أستطع الإجابة بوضوح عن سؤال العنوان، لكن أجزم أن النّصر لم يكن ليخلّده التَّاريخ ويبلغ مداهُ الآفاقَ دون تضحيات ومشاركة وأصوات النِّساء قبلَ المعركةِ وحينها وبعدها.