هو المعلّمُ الذي أجادَ أبجديّاتِ العلاقة مع الماءِ حتّى وصلَ للاحترافية، علاقتهُ مع الماء صلةُ رحمٍ واجبة، فهو ابنُ أبيهِ وجدّهِ والماءُ معًا، فجدّهُ لأبيه نوخذةٌ من نواخذة القطيف أبناءُ البحر والسارية، ووالدهُ ورثَ هذا العشق أيضًا وَورثّهُ لشبلهِ الصغير.
فلم يكد يبلغ تيسير أحمد محمد الزرّاع السابعةَ من عمرهِ حتى التحقَ بنادي الهدايةِ ببلدة الجش المُنتمِي لها كلاعبِ سباحة؛ ومن ذاكَ اللاعب الصغير الذي يُصارعُ الماءَ بكلّ قوّته، إلى معلّم تربية بدنيّة في وزارة الدفاع و”مدرّب إنقاذ” يحملهُ الماء كريشةٍ خفيفةٍ، بل وغوّاصٍ بارعٍ، ومديرِ فعاليات، ومخرجٍ مسرحي، ومهتمٍّ بالفنون، فبينَ ذاك اللاعب الصغير ومدرّب الإنقاذ رحلةُ كفاحٍ لم تكنْ سهلةً ميسّرةً، وبين مدِّها وزجرِها كانت التحدّيات طوق نجاتهِ الوحيد.
قسوةٌ حياتية
تُوفّي والدهُ، وتركَ ثقلَ مسؤوليةَ الأسرة على ظهر ابنهِ الكبير تيسير، مِمّا اضطرهُ لتركِ المدرسة في عمر الـ 16 عامًا، والعمل من أجل والدتهِ وإخوته، فالتحقَ بعدة أعمال متنقلًا بين موظّف أمن وموظّف مكتبي وفنّي حفريات بترولية وسائق معدات ثقيلة وعلاقات عامة وغيرها، مواجهًا تحدّيات الحياة وقسوتها بحكايةٍ طويلةٍ متعبة لا يزالُ يغصُّ بألمها وقسوتها عند تذكّرها، لكنّ رحمة الله وألطافهِ أحاطتهُ في ختامها؛ ليستقرَّ بعملهِ الحكومي معلمًا للتربية البدنية في وزارة الدفاع.
انجذبتُ اختياريًا
دخلَ الزرّاعُ عالمَ الإنقاذ اختياريًا، وعن ولوجهِ لهذا العالم قال لـ«القطيف اليوم»: “أعتقدُ أنّ امتهاني لهذهِ المهنة كان أمرًا اختياريًا بحتًا، فقد انجذبتُ للماء منذُ طفولتي، وبعد سنين طويلة من التحاقي بلعبة السباحة أصبحتُ عضوًا بالمشروع الوطني لتطوير الألعاب المائية، وحينها كان التفعيلُ كبيرًا ومستمرًا بالبرامج والدورات مِن قبل الاتحاد السعودي للسباحة، فالتحقتُ مع أول دورة تثقيفية تُعنَى بالسلامة المائية في المسطّحات المائية في عام 2012 م، ومنها بدأتُ مشوار الالتحاق بالورش والدورات الخاصة بمسار الإنقاذ”.
وتابعَ: “التحقتُ بـ 4 منظمات عالمية تُعنى بالسلامة والإنقاذ المائي وبشكل رسمي، وكوني سبّاحًا مع السباحين الملتحقين فقد سهّلَ هذا علينا الكثير الكثير في عملية التعلّم والتدريب في هذا المجال”.
وأكمل: “لقد كان عددنا الكلي ما بين 13 إلى 15 منقذًا من مناطق الشرقية المختلفة، بيننا 4 من منطقة القطيف”.
ليست معقدة
وأوضحَ “الزرّاع” أنّ شروط الحصول على شهادة الإنقاذ ليست بالمُعقدّة، ويأتي تعلّم السباحة بشكلٍ يخولّ المشترك للخوض في المسطّح المائي أهم هذه الشروط، وبعدها اختبارات ضرورية جدًّا في السرعة والمسافة، إضافةً لحبّ المغامرة والتضحية، ومن بعدِها ستصبحُ المُنقِذ الذي تريدهُ، ولكنْ بعد أخذ كورس التدريب وعدة سيناريوهات للغريق وكيفية التعامل معه.
معوقان
وأضاف أنّ الرخصةَ والاختبار هما المعوقان، وكون الإنقاذ مستويات فهذا يتطلّبُ من المُنقذين دفع مبلغ كل سنتين لتجديد الرخصة، وهذا أمرٌ مكلف للمنقذ، كما أنّ الرخصةَ والشهادة إذا لم تعمل فارقًا في حياة الإنسان فلا فائدة منها كما يرى، ناهيك عن مصاريف السفر والوقت والجهد، ولكن على المستوى المحلي لدورات الإنقاذ، فإنّ المنقذين يأملون كل خير في الإدارة الجديدة للاتحاد السعودي للإنقاذ والسلامة المائية.
خمول
وبيّن “الزرّاع” أنّهُ وللأسف فإن النشاطَ المشترك بين فريق الإنقاذ كانَ ضعيفًا جدًا وخاملًا، ويصبحُ تطوعيًا أيام الأعياد فقط عند البحر، لكثرة المتنزّهين في موسم العيد، أضِف إلى ذلك بعض الأنشطة الخفيفة التي تُعنى بتسجيل حالات الغرق والاهتمام بالحادثة وأسبابها، وقد تمّ تدوين حالاتٍ عديدة فعليًا خلال هذا النشاط، ورغم صعوبة التواصل بين الفريق في هذا الأمر، إلا أنّ نتائجهُ كانت تكسو تعبهُ حلاوة وراحة.
هل من متبنٍّ؟؟
وأسِف “الزرّاع” لعدم وجود من يتبنّى فكرة حصول المُنقذ الحاصل على شهادة ورخصة على مهنتهِ الأساسية هذهِ ومزاولتها كشأن المهن الأخرى، يستوي في ذلك المتفرّغ بلا عمل، أو من يمتلك عملًا يمتهنه، واقتصار ذلك على بعض الفنادق خارج أسوار المحافظة، مع ملاحظة أنّ المُنقذين فيها غير سعوديين!!
وذكرَ أنه وكنشاطٍ فردي له كان يسعى حثيثًا لوجه الله تعالى للذهاب للمدارس الأهلية والحكومية؛ لنشر ثقافة الإنقاذ لطلاب المحافظة، وكذلك المهرجانات والتجمّعات الرسمية للنشر والتوعية من مخاطر الغرق، وسُبل الإنقاذ، وقد استطاع بتوفيقٍ من الله أن يتجاوز بعملهِ 1200 مستفيد، منوّهًا إلى أنّ هذهِ الأنشطة وإن كانت بمستوى خجول – كما يصفُها – إلا أنها تتطلّب تحضيرًا ووقتًا وجهدًا ومادة أيضًا.
المدرّب الفنّان
انجذبَ “الزرّاع” للفنّ كما انجذب للماء، فقد أحبّ أغلب الفنون كالتصوير والتمثيل والهندسة الصوتية والرسم والإخراج، فمن المدرسة تمخّضَ حبّهُ للفنون فأنجبَ الفنّ المحبّب لهُ وهو التمثيل، الذي خاضهُ بفرصٍ كثيرة في المدرسة وخارجها، ولديهِ مشاركات مع “فرقة مواهب” التي خدمت المنطقة جميعها، وغيرها من الفرق والمؤسسات الأهلية والرسمية.
وأشار إلى أن للفنان أدواتهُ التي يحتاجها من إعطاء الفرصة والوقت والاهتمام والتشجيع والاستمرار، فالفنّ من رؤيتهِ الخاصة كلّما أهديتهُ وقتًا أعطاك إبداعًا، وإن كانَ للملَكَة والموهبة الربانية أثرها الذي لا يخفى.
واحةُ العطاء
يعتبرُ “الزرّاع” العمل التطوعي زميله، بل صديقهُ الصدوق ولهُ تجاربهُ في واحة العطاء الخضراء منذ نعومة اظافرة ، ففي وقت الجائحة عمَل متطوعًا لوزارة الصحة، وتم إنتاج أكثر من 20 محتوى لشخصياتٍ بارزة على مستوى المحافظة باختلاف توجهاتها الثقافية والاجتماعية والرياضية وغيرها بمبادرة ورعاية كريمة من مؤسسة الرواد الثقافي التي تبنت عملية التطوع داخل اسوارها لوجه الله.
وأكد أن فترة الجائحة وظروف الحجر كانت مليئة بالتحديات في عملهم التطوعي الذي أرادوا من خلاله خدمة هذا الوطن المعطاء وإيصال رسائلهم بشكلٍ فعلي، فكانت فترةُ الحجر فترةً انتهازية للزرّاع ومجموعته؛ لتفعيل جانب العلاقات العامة، وتحديدًا المجال الإعلامي والتصوير، حيثُ قاموا بالتواصل مع إدارة مستشفى القطيف المركزي التي فتحت أبوابها لهم بكل فخر.
وأكمل: “استطعتُ مع فريق العمل في الوقت المسموح لنا فيهِ بالتصوير الممتد من 6 صباحًا حتى 3 مساءً، أن نستقبل الاستشاريين والإداريين، وأن نبثَّ الوعي والاطمئنان للمواطنين والمقيمين عبر محتويات غنية علميًا وبالطرق السهلة، فأنتجنا أكثر من 80 محتوى خلال الفترة الحرجة التي مرّت بهمة وسواعد بقية المتطوعين الأبطال”.
تجربة مثيرة
شاركَ “الزرَاع” كذلك بتجربةٍ مثيرة وممتعة في الإخراج، التي تتطلّب كما يرى أن يمرّ فيها المخرج بمراحل كثيرة يكون فيها تارةً ممثلًا وتارة منتجًا وأخرى في الكواليس؛ ليعيش جميع الأدوار، وحينها يُضحي قياديًا لإدارة أيّ عمل فنّي له، متحليًّا في نفس الوقت بالحزم واللين معًا والمُخيّلة الواسعة والتأثير والإبداع.
مهرجانات المنطقة
انضمّ “الزرّاع” للمشاركة بجميع مهرجانات المحافظة وخارجها أيضًا، فشاركَ في مهرجان الدوخلة وواحتنا فرحانة والوفاء وغيرها، ولم يتخلّف في أي سنة عن المشاركة سواءً بالتمثيل أو الإخراج أو الهندسة الصوتية أو الإنتاج أو إدارة المسرحيات، وتصميم وتنفيذ الديكور، متمنيًا في داخلهِ أن يرى مسرحًا متكاملاً في المحافظة.
دورات
ودعا “الزرّاع” للالتحاق بدورات السباحة المستمرة طوال العام، لافتًا إلى أن المجتمع بكل أسى لا يتجه لها إلا وقت الصيف، حيثُ يُشارك فيها أغلب لاعبي السباحة في أندية المنطقة، فهم المؤهلون رقم 1 ليكونوا معلمين ومدربين في المستقبل، وعددهم ليس بالهيّن، إضافة لوجود مدرّبين مُعتمدين على المستوى المحلي والدولي أيضًا ويتراوح عددهم من 10 إلى 14 مدربًا، فالسباحة تُصنّف إلى 6 مستويات من مبتدئ إلى سبّاح، وهناك لا يجتاز دورة المبتدئين من المرة الأولى أو الثانية، والتركيز الأكبر على الطفو وهو العامل المهم جدًا في تعليم السباحة.
وليتها تتحقق
صادفَ يوم الأحد الماضي 25 شهر يوليو اليوم العالمي للوقاية من الغرق، هذا اليوم الذي يجدّد في كلّ عام تلك الأمنية بداخل الزرّاع، وهي أن يكون لدينا في المحافظة مؤسسة تُعنى بالسلامة المائية يكونُ مشرفًا عليها بالتعاون مع الجهات المسؤولة، هذهِ الأمنية التي يراها في داخلهِ رسالةً يكونُ فيها ساعي البريد لمجتمعٍ واعٍ يقظ اندثرت فيهِ أمية السباحة من أجل أبنائنا وحمايتهم من الغرق، فالمسؤولية جماعية، والمدربون والمُنقذون بالخدمة للجميعِ دائمًا.