المرحوم أحمد الكريكيش.. مثال النبل والشهامة

كلمة تأبينية في المرحوم الحاج المكافح أحمد عيد الكريكيش.

لا ضير في الحياة على الإنسان المؤمن الملتزم أن يعيش الكفاف ويكدح ليل نهار ليؤمّن معيشته ومعيشة عياله ويؤمن نفسه من ذل السؤال وإراقة ماء وجهه من أن يستعطي الناس ويستجدي الآخرين.

بل إن الإنسان المؤمن يحمل في داخله عزة النفس ويشتمل بين جوانحه على عنفوان الكرامة يواجه به مصاعب الحياة ويقاوم به ضنك العيش.

ولا يخفى على عاقل ما يعيشه الإنسان الكادح المجاهد من كرامة عند الله ومن فضل عظيم ومن مكانة سامقة ومنزلة رفيعة عند الرسول وأهل بيته الأطهار عليه وعليهم السلام فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: “الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله”. [الكافي ج ٥ ح ١].

أقف اليوم مؤبنًا رجلًا قضَّى أكثر عمره في خدمة المؤمنين
وعاش حياته بعيدًا عن الأضواء والبحث عن الشهرة ألا وهو الفقيد المؤمن الخير الحاج أحمد بن عيد بن محمد الكريكيش أبو علي.

وأنا أسطر اليوم بفخر سيرة هذا الرجل العصامي الذي قنع بالكفاف من العيش من خلال عمله في الزراعة وما أشرفها من مهنة بل هي مهنة الأنبياء ومن سار على دربهم من الأولياء والصلحاء.

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “ما في أعمال شيء أحب إلى الله تعالى من الزراعة، وما بعث الله نبياً إلا زارعاً إلا إدريس، فإنه كان خياطاً). [وسائل الشيعة ج ١٢ ص ٢٥].

لقد سجل الفقيد السعيد (أبو علي) في حياته حروفًا من نور من خلال مسيرته الكريمة وكتب صفحات ناصعة البياض زاخرة بالعطاء بسيرته النقية في فضاء مشهد قديحنا المحروسة.

كان المرحوم حسن الأخلاق متواضعًا سمحًا بشوشًا مع الناس. وكان يتميز بخفة الروح والابتسامة. وكان موصوفًا ومعروفًا بالشهامة والنخوة. وكان خادمًا لأهل البيت عليهم السلام في إعداد الولائم في شهر المحرم وباقي المناسبات على مدار العام ولسنوات عديدة.

حمل على عاتقه خدمة أساسية شريفة لإخوانه المؤمنين من خلال عضويته في لجنة إكرام الموتى وحتى من قبل إنشائها وهي القيام بحفر قبورهم وتهيئتها وما تحتاجه من عناصر لتجهيزها على مدى عقود من السنين التي عاشها دون توان أو عجز ودون مقابل مادي بل تطوعًا لله وحبًا في العمل الخيري.

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرواية: “من حفر قبرًا لمسلم بنی الله عزَّ وجلَّ له بیتًا في الجنة”. [مسكن الفؤاد للشهيد الثاني].

وكان المرحوم يؤثر العمل الخيري على سبيل راحته وراحة عياله بالرغم من قلة ذات يده.

وكان يواجه بكل صبر وتحمل مع رفقاء دربه تقلب الأحوال الجوية في أوقات مختلفة من نهار أو ليل في آناء الظهيرة وحرارة الأجواء القائظة أو الجو القارس البرودة. ولم تمنعه كهولته وضعف بدنه مع تقدم العمر عن مواصلة دربه فكان يتحامل على نفسه ويحضر للمقبرة لتوجيه العاملين معه وإرشادهم إلى الطريقة المثلى في حفر القبور.

إن فقيدنا السعيد خرج من رحم واقعنا وصميم طينتنا كي ينال كريم الأجر ويحظى بعظيم الذخر وكان في عمله واجتهاده وحراكه يبتغي نيل الكرامة ويقدم المصلحة العامة على مصالحه الشخصية بكل أريحية وقناعة ذاتية تامة.

وهكذا بعد عقود من السنين طواها في هذا العمل الإنساني الوطني التطوعي الخالد قد أزاح رهق الحياة عن كاهله ووضع ضنك المعيشة عن عاتقه وخُتمت حياته بما أصيب به من ابتلاء وهذه من ألطاف الله الخفية بعباده فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: “قال الله تعالى: ما من عبد أريد أن أدخله الجنة إلا ابتليته في جسده، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شددت عليه عند موته حتى يأتيني ولا ذنب له، ثم أدخله الجنة”. [الكافي ج ٢ ص ٤٤٦].

وأخيرًا رحل فقيدنا السعيد إلى جوار ربه نقي السريرة طاهر الذيل عفيف النفس رفيع القدر عزيز المكانة.

وفي الختام أود أن أؤكد على مسأله مهمة وهي أن هذه الثلة المؤمنة الخيرة التي عشقت العمل الخيري التطوعي هي مفخرة للبلد وهي مثال حي على التضحية والفداء للقديح وأهلها فينبغي الاهتمام بهم وتكريمهم ما داموا على قيد الحياة من قبل المؤسسات الخيرية والاجتماعية ولا أشك في أنها تقوم بذلك. بالإضافة إلى العمل وتهيئة كوادر شابة وسواعد فتية تقوم بالنهوض بالمسؤولية وتحمل أعباء العمل التطوعي بكل أريحية ولا أظن أن المجتمع القديحي تنقصه مثل هذه الطاقات المؤهلة.

رحمك الله يا أبا علي فلقد ضربت أعظم المثل في النبل والبذل والعطاء والشهامة والنخوة ونكران الذات وضاعف الله لك الأجر والمثوبة وجعل عملك خالصًا لوجهه الكريم تنال به رفيع الدرجات في الجنة مع الأولياء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.. ورحم الله من يقرأ لروحه وأرواح أسلافه الفاتحة.



error: المحتوي محمي