من حلة محيش.. زينب البطران مشوارها في الابتدائية انتهى بفقد بصرها.. والإرادة توجتها بـ«الماجستير»

كان الوقت يُشارف على امتداد غُروب الشمس، والشفق الأحمر، أثناء ما كانت تُحدق من نافذة حُجرتها المليئة بالألعاب والدُمى المُتناثرة، هذا المساء، كانت مُتوجسة، قلقة من شيء ما لا تعرف له طريقًا.

ارتمت على وسادتها مُثقلة، وفي الصباح، كان موعدها مع الطبيبة، وفور وصولها نزل الخبر عليها كالصاعقة، أحسَّت أن الدُنيا أغلقت صفحاتها، حين قالت لها الدكتورة إنها فقدت البصر نهائيًا، وليس هُناك حل يُمكن من خلاله أن يرجع مُجددًا، ولو بصيص ضوء.

بهذه الكلمات، بدأت زينب حسين البطران، المُنحدرة من بلدة حلة محيش، والمُعلمة في مدرسة فُصول دمج التربية الخاصة في مُحافظة الأفلاج، الحاصلة على بكالوريوس تربية خاصة، وماجستير إعلام من جامعة الملك سعود بالعاصمة الرياض حكايتها، لـ«القطيف اليوم».

ضعف وفقد
تُبيَّن “البطران” حيثيات فقدها البصر قائلة: “كُنت أعاني من ضعف البصر مُنذ الصّغر، ثُمَّ تطور الأمر إلى أن أصبح انفصالًا في الشبكية وتمَّ إجراء العملية، بعد تراجُع أغلب الأطباء عن إجرائها، لكون انفصال الشبكية كان قديمًا، ولكّن حدث ما لم يكُن في الحُسبان، عندما أخبرتني الدكتورة أثناء الزيارة أن نتيجة العملية لا تسر، لأنها لم تنجح، لأفقد البصر كاملًا”.

افتراش الأمل
تؤكد “البطران” أن رفيقها كان القرآن الكريم، الذي يُنير دربها، ويُبلسم جراحها، وقالت: “بدأت في تقبل وضعي ومما زادني دافعية وقوة علاقتي بالقُرآن الكريم، وكذلك إصرار أمي – رحمها الله – ووقوفها معي، وإقناع أختي الكُبرى لي بأن ألتحق بمعهد النَّور في مُحافظة الأحساء لإكمال دراستي، وتعلم طريقة برايل ذات النّقاط البارزة للمكفُوفين”.

وأضافت: “من هُنا تقبلت واقعي، وسعيت إلى التَّعلم والاستفادة من كُلّ الأشياء من حولي، لأطور من نفسي في جميع مراحل حياتي، ومنها أدركت أن فقد البصر نعمة ومنحة بالتعامل مع هذا الفقد بالصبر الجميل، والله سُبحانه وتعالى يُوفي الصَّابرين أجرهُم في الحياة الدنيا وفي الآخرة”.

وأكدت أن البصر نعمة لا تُقدر بثمن، ومن يفقده يشعر حقًا بأنه فقد نعمة عظيمة، إلا أن الحياة لا تتوقف، لأنها تتسع إلى الجميع، فائلة: “إنَّ فاقد البصر إذا تحلى بالأمل والإرادة والنَّظر إلى هذا الفقد بعين الرضا، سيشُق طريقه إلى المُستقبل واثق الخُطوات”.

الغُربة كُربة
وتابعت “البطران” قائلة: “أن تُعاني من فقد البصر، وتضطرك الظُروف إلى أن تكون بعيدًا عن أسرتك، فإن ذلك يحتاج إلى قدر كبير من الصبر الجميل والإرادة، وفي الأول والأخير أن تكون مُؤمنًا بأهدافك، لتصل إليها”، متحدثة عن غُربتها التي واجهتها بوجودها في مُحافظة الأحساء بأن الصعوبات التي واجهتها هي؛ عدم تقبُل وضع الغُربة والبُعد عن الأهل، لوجودها في معهد النَّور بمُحافظة الأحساء، إضافة إلى عدم توفر المراجع بطريقة برايل في الجامعة مما اضطرها، كطالبة كفيفة إلى الاستعانة بمُرافقة أو كاتبة مُقابل مبلغ مالي.

الانطلاقة السعد
تذكُر “البطران” أنها أنهت المرحلة الابتدائية في مدارس التعليم العام، حيث كان نظرها ضعيفًا، وبعدها فقدت البصر بالتزامن مع انتهاء المرحلة الابتدائية، وتوجهت إلى مُحافظة الأحساء، لتُكمل دراسة المرحلتين المُتوسطة والثانوية في معهد النَّور، ثُمَّ المرحلة الجامعية في العاصمة الرياض بجامعة الملك سعود، لتحصل عل شهادة البكالوريوس في تخصص تربية خاصة “مسار صُعوبات تعلم”، وتلتها بالدراسات العُليا، وحُصولها على درجة الماجستير في تخصص إعلام عام.

وأشارت إلى أنها حصلت على الوظيفة في مجال التَّعليم، بعد إنهاء مُقررات الماجستير في تخصص الإعلام، قبل الشُروع في إعداد رسالة التخرج من الماجستير.

لن أذهب
وتحدثت “البطران” عن موقف مُحزن ينم عن عدم وعي بعض فئات المُجتمع، وقالت: “أثناء مرحلة الماجستير، كُنت في سكن الطالبات في العاصمة الرياض، وأردت الذهاب إلى الأفلاج، فاتفقت مع سائق يقوم بتوصل معلمات إلى الأفلاج، وكُنَّا ثلاث مُعلمات، وفجأة اتصل بي السائق صباح يوم السبت، فأخبرني أن المُعلمتين لن تذهبا معي، وسأكُون بمفردي في السيارة، فأجبته: كيف هذا؟ أنا كفيفة، ولن أكون في السيارة بمفردي مع سائق يقطع كل هذه المسافة”.

وبدأت عملية البحث عن سائق آخر، وبعد أيام معدودات، اتصل بها أحد السائقين، فأخبرها أنه يُوجد لها مكان في السيارة، ولكنه طلب منها عدم إخبار المُعلمات بموافقته على ذهابها معهن، فسألته: لماذا؟ فأجاب: لأنك كفيفة، فقالت له: أنا سأركب السيارة بنُقودي، ولن يحملنني مثل الأطفال، وأنا لا أريد الذهاب معهن”.

وأضافت: “ولما استحكمت حلقاتُها فُرجت، وظننتُها لا تُفرج، فقد اتفقت مع أحد السائقين، وطلبت منه اللقاء بالمُعلمات، حتى غادرنا في صباح، مُتوجهين إلى الأفلاج”.

وواجهت “البطران” أثناء وظيفتها في منطقة الأفلاج؛ صُعوبة التَّنقل لكُونها في منطقة لا توجد بها خدمات كافية، كالطَّيران أو القطار، ومما زاد الأمر صُعوبة في المُواصلات، أنها كانت تدرس الماجستير حينها وتحتاج الذهاب إلى الجامعة حتى تُنجز بحث التَّخرج، فكان الوضع مُتعبًا جدًا ومقلقًا ومُكلفًا من خلال التَّنقل بين ثلاث مناطق، مبينة أن راتب المُرافقة كان يتم تحويله لها بانتظام، وإن كانت بعيدة عنها، وحتى إن لم يكن لديها عمل، كالبحث عن المراجع، وتحويلها إلكترونيًا.

وأوضحت أنها كانت تقوم بتعليم المُبصرات من ذوات العوق الفكري، لافتة إلى أنها لاقت بعض المُعاناة في التأقلم مع المُبصرات من نظيراتها في العمل كزميلات، إلا أنها تخطت هذه المُعاناة سريعًا بتكاتف الجميع وتعاونهم.

إنجاز وفرح
وتكللت جهود “البطران” بالنجاح، حيث تُشير إلى أنها حصلت على جائزة محمد بن فهد في عام ١٤٢٧هـ، للتفوق العلمي عند إنهاء المرحلة المُتوسطة، وذلك باقتناصها الترتيب الأول على دفعتها، وحصلت أيضًا على مرتبة الشرف الأولى بالبكالوريوس والماجستير في التفوق الأكاديمي بسبب ارتفاع المعدل أو النسبة، وحازت جائزة محمد بن صالح بن سلطان في عام ١٤٢٨هـ، وذلك لترشُّحها في التَّفوق العلمي في هذا العام.

نافذة أخرى
في سياق آخر، أكدت “البطران” أن من أقسى أنواع الصُعوبات للكفيف نظرة الشَّفقة عليه، وعدم الوعي من قبل المجتمع بكيفية التعامل معه، إضافة إلى عدم معرفة ماذا تعني مُفردة كفيف.

ودعت إلى الثقة بقُدراته من قبل المُؤسسات، وتوفير الخدمات المُعينة والمُلائمة له، ومنحه الفُرصة لإثبات ذاته، ومعرفة حقوقه، وتوفير الوظائف المُتاحة إن أمكن.

أمنياتي والنجاح
وبيّنت “البطران” في ختام حديثها لـ«القطيف اليوم»، أنَّ مفهومها للنجاح يأتي من خلال السَّعي بوعي، والعمل باجتهاد لبُلوغ المُراد، لتقُوم بحُضور الدَّورات والورش المُتنوعة، لاكتساب الخُبرات والتَّجارب، والوقوف على نواحي الضّعف، وإيقاظها لتكُون في أوج قُوتها.

وذكرت أن من الشخصيات المُؤثرة في حياتها؛ سيد البُلغاء الإمام علي “ع”، فمنه مكارم الأخلاق.

وعن طموحاتها قالت “البطران”: “طموحاتي أن أكمل دراستي إلى الدكتوراه في التخصص الذي أرغبه، وهو التربية الخاصة، لكونه تخصصًا إنسانيًا للتعرف على ذوي الهمم واحتياجاتهم وقُدراتهم، وأن أحفظ كتاب الله، وأصبح سيدة أعمال، ويكون لي دور فعال في المجتمع”.

ونوهت بأنها تسعى إلى تكملة دراستها في قسم الإعلام، لكونه تخصصها الذي هو جزء من مسيرتها، مشيرة إلى أنه عالم واسع، ويُمثل بحرًا من العلوم، كونه من التخصصات الحديثة التي تستطيع المُساهمة من خلاله في تحقيق رؤية وطنها الغالي وتطلعاته.




error: المحتوي محمي