مخاض الأبجدية

إن الفعل الكتابي ليس كما يظنُه البعض أنه يكمُن في العمل الكتابي ذاته، يُقدم شيئًا ما بألوانه ومشاربه المُختلفة، الكتابة الحقيقية، هي التي تُشبه مخاض الولادة، والألم الناتج عنها، من خلال الولوج في انعتاق الذَّات والفكر، وتلاقيهما معًا في ضفَّة ما، مليئة بالدهشة، لذا من مُقومات الكاتب -كما هو معروف-، أنه يملك يراعًا وفكرًا، والكاتب المُتميز يملك روحًا وتواضعًا إضافة لهُما.

‏‎وعليه، فإن تشبيه الكتابة بحالة الولادة، يأتي تشبيهًا، ليقول بأنه من رحم المُعاناة والألم، يخرج النَّص الكتابي، ليُعانق خيوط الشَّمس، لأنَّها تُمثل الحياة بألوانها الزاهيات، عطفًا على مخاض الولادة، يحمل المُعاناة والألم والآهات، لتُشرق براءة طفل من محياها، وتُعانق عينيه الطبيعة بجمالها وجماله، لتكُن البهجة.

‏‎إن النَّص الكتابي المُتميز إذا لم يُعتقه الكاتب بفكره وقلبه، ويُناغيه بروحه، ويعيشه في ذاته، أكان يُثير الابتسامة، ليبتسم، أو كان يُثير الدَّمعة، لتدمع عيناه، أو كان مُدهشًا، لينغرس فيه اندهاشًا، فلن يكُون النَّص، كما يُحبه الكاتب، ويهفُو إليه، كوليد يفتح عينيه لأول مرَّة على الحياة، لتُكسبه النَّبضات حياة في المُتلقي، فلن يعدو كونه مُجرد فكرة، يُراد إيصالها.

إذًا، فإن الكتابة، ليست الأبجدية، تُصاغ على القرطاس، إنها النَّبضات، تنسجُها رشفات الروح، لتُّعبر عن أفكار كاتبها، مُتخذًا من اللغة طريقًا، ليصل من خلالها إلى القارئ، فإنه التَّأمل أثناء الكتابة وقبلها، يجعل الكاتب، يُبحر اشتياقًا، لترتعش أصابعه، ويتنفس الصُّعداء بعد الانتهاء من النَّص الكتابي، واكتمال النَّشوة، فالكتاب، كلوحة فنية، متى أتقنها الكاتب، فإنه سيُبصرها في ألقها الأروع والأبهى.



error: المحتوي محمي