القبول والاستحسان مطية يمتطيها الأشخاص الذين تربوا على الخضوع والإذعان مما يعني فقدان الاعتماد على الذات، فالذين لم تنم لديهم القدرة على الاعتماد على النفس ليس لديهم خيار سوى اللجوء والمناورة للحصول على ما يريدون، عن طريق استخدام مهارة التأثير على الآخرين لخدمتهم وإشباع رغباتهم، فهم يستخدمون الآخرين مطية للتقدم في الحياة، نتيجة الحب الأيوبي الخاطئ الذي يشجع الآباء فيه أبناءهم على مواصلة الاتكاء والاتكال عليهم، ظاهريًا قد يبدو ذلك أن الوالدين يفعلان ذلك من أجل مصلحة أبنائهم، لكن الحافز وراء ذلك هو إشباع حاجة شخصية لدى الوالدين،
فثقافة الخضوع والإذعان التي يتربى عليها الأبناء، لها عواقب مستقبلية على مسيرتهم، ونجاحهم، هم يتوقعون المساعدات والدعم من الآخرين كما لو كانوا أطفالاً صغارًا يتوقعون المساعدات من الوالدين، بسبب التجاهل التربوي في النظام الأسري، الذي يحرم الطفل من حرية الرأي، وتتولى السلطة الأبوية اتخاذ القرار، فتتنامى مهارة الطاعة والخضوع، وعندما يكبر الابن ويدخل عالم الكبار يختار إكمال تأييد الخضوع باعتباره أسهل الطرق في الحياة، فهو يفضل الهدوء والإذعان بدلًا من إثارة القلق والضيق، فحاجته إلى القبول والاستحسان أكثر من رغبته بالقيام بما يرغم به ويعبر عن ذاته، فالشخص الخاضع مليء بالحاجة إلى قبول واستحسان الآخرين، فهو لا يكتفي ولا يحصل على ما يريده ويشبع رغباته، ينتقل من شخص إلى آخر التماسًا للمجاملات والمصداقات على سلوكياته وتصرفاته، فهو عندما كان طفلاً يولي شطره نحو والديه ومعلميه، وعندما يكبر ويبدأ العمل يحول وجهته نحو رئيسه وزملائه في العمل، وفي الحياة الزوجية يتحول إلى شريك حياته، فهو دائمًا يبحث عن وجود شخص ما بجواره يربت على كتفيه ويخبره أن ما يقوم به جيد ورائع، فهذا يقوي ويدعم تقديره الضعيف لذاته، في ظل البحث الدائم عن الاستحسان والقبول، يهرب ويفر من مسؤوليته في صنع نجاحه وسعادته، ويصبح عائلاً ومتكلاً على الآخرين، فأيًا كانت العواقب النفسية والعاطفية، فهذا لا ينطبق فقط على الآباء والأبناء فحسب وإنما أيضاً على علاقات الزواج، والعلاقات الأسرية وجميع العلاقات الشخصية والاجتماعية الأخرى، في المقابل لا يمكن أن نعيش حياة الآخرين ونتحمل أعباءهم ونشبع رغباتهم الخاصة، بغض النظر عن حبنا لهم، ينبغي قطع الحبل السري الذي يربطنا بهم، عندما نصل إلى مرحلة النضج والقدرة على اتخاذ القرار.
الخضوع من أكبر الآفات النفسية المدمرة لآليات النجاح، فالشخص الذي يقع فريسة لهذه العادة المدمرة، غالبًا لا يستطيع تحقيق أهدافه، ولا يمكنه الاستقلالية بحياته، وإنجاز الأعمال المهمة التي تؤهله لأن يكون في مكانة مرموقة، وصاحب قرار، ومنجز، فدافعه الأساسي يمنعه من ذلك.