«طبيب الغلابة» ودكان المستشفى

توفي في مدينة طنطا بمصر، الدكتور محمد مشالي المعروف بـ«طبيب الغلابة» عُرف هذا الرجل بهذا اللقب حينما منح العلاج للكثير من الغلابة على امتداد حياته المهنية الطويلة، بمبالغ رمزية، وأحيانا دون مقابل، بل تجاوز ذلك لشراء الأدوية لهم في بعض الأحيان، هذا لأنه فهم الطب على أنه مهنة إنسانية قبل أن تكون موردا للتجارة.

وفي حين قد تشاهد مؤسسات طبية تود لو ترمي المريض غير المقتدر على الدفع في الشارع، لولا الخوف من القانون، تجد على النقيض تماما هذا النموذج الممتلئ بمشاعر الإنسانية الحقيقية والأخلاق النبيلة.

في زمن بدا فيه الاستثمار في القطاع الصحي استثمارا ناجحا من الناحية المادية، بدأت في الظهور من جانب آخر ثقافة جديدة في عالم الطب، تسلخ هذا القطاع من جانبه الإنساني النبيل، وتحوله تدريجيا لقطاع مبيعات لا يختلف في بعض الأحيان عن محلات البقالة وأسواق الخضار، هذا لأن مريضا مراجعا يعاني من خدش على إحدى يديه، وقد يكون أكثر نشاطا من جميع لاعبي «الهلال» في كرة القدم، ويمشي على زنده الفيل، قد تُطلب له سلسلة طويلة من الفحوص والتحاليل بذريعة الاطمئنان عليه، والتأكد من عدم وجود مضاعفات جانبية، فيما الحقيقة أنَّ المسألة استنزاف أموال من شركات التأمين الطبي.

أو حينما تلتهم الأمراض شخصا في جانب آخر ليذهب مضطرا إلى «دكان المستشفى الخاص» ويكون غير مقتدر على الدفع، فهناك تظهر الكثير من سبل الضغط عليه للخروج تحت ذريعة أن التأمين لا يغطي الحالة، وينبغي عليه الدفع أو التوقيع على طلب خروج تحت المسؤولية الشخصية، إن كان منوما.

الحجة باختصار أن المستشفى الخاص ليس جمعية خيرية بل هو قطاع ربحي، في حين ينسى صاحب هذه الحجة أن تقديم واجب العناية الطبية الكاملة للمحتاج إليها اضطرارا واجب قانوني، والحديث عن التكلفة ومن سيدفعها هو أمر متأخر على منح العناية الطبية للمريض، حينذاك ينبغي بل يجب على المستشفى علاج المريض، مقتدرا كان على الدفع أو غير ذلك.

بين نموذج «طبيب الغلابة» و«دكان المستشفى» مفارقة كبيرة، فالأول أدرك أن مهنة الطب تشتمل على واجب إنساني نبيل، يدرك أن شريحة من الناس غلابة يحتاجون الدعم، فساعدهم ودعمهم ولم يطالبهم بالتأمين و«استقعد» لهم على ذلك، وبين من أدرك أن العلاج الطبي لا يختلف كثيرا عن شراء «البونتي والسبانخ» وبالنتيجة إن كنت تملك المال للشراء، فمرحبا بك وإلا فلتجهز لك قبرا يؤويك في أقرب أرضٍ لم تحتكرها بعدُ أيدي العقاريين النبلاء، الذين يقص بعضهم دون كلل أو ملل شرائط الأعمال الخيرية.


المصدر: آراء سعودية



error: المحتوي محمي