دشنَّت الكاتبة حليمة كاظم بن درويش باكورة إصداراتها “عارية إلا منك”، في مقهى الرُّواد الثقافي، مساء الخميس21 ذو القُعدة 1442، بحُضور نُخبة من المُهتمين بالشأن الثقافي والأدبي والاجتماعي، وعدد من التوستماسترز والإعلاميين.
ودار حفل التَّدشين، الذي قدمه الشَّاعر علي مكي الشيخ حول محورين؛ الأول تطرق إلى حياة الكاتبة، وتشكُل بداياتها، مُرورًا بالنُّضج المعرفي والوعي الأدبي، إضافة إلى محطة التُّوستماسترز، وتأثيرها على الجانب الكتابي، وتناول المحور الثاني أسئلة حول تجربتها في الكتابة، وقراءة نصوص من الكتاب.
واتخذ الشَّيخ في تقديمه للكاتبة أسلوبًا مُغايرًا عن المُعتاد، حيث وصفها بأنَّها تفتح أزرار الغيب، بخطايا النّسيان بين شهقة الضّوء وصمت الليل، وأنها طفلة لا تكبر، تلبس تفاصيلها بيقظة من صهيل الجسد، فتتعدد زوايا الانكسار لديها.
وأشار إلى أن الغياب عندها له بريق مختلف، فهي امرأة يهزمُها الحُّزن، تتلو على التاريخ أكذُوبتها الصادقة، ترتدي وتختار لونها الأزرق بعناية مُترفة، كُلمَّا سقطت في فخ الأسئلة.
وأضاف أنها كامرأة مليئة بالأسئلة المُثقلة بالأبد، تُمسد شعر الليل، وتُدندن بأغنية الجُنون على خاصرة الوجع، عاشقة، تُفلسف وعيها بمفاهيمية عريقة، ومن بين كُلّ هذه المخاضات المُتداخلة، تبُوح بكُلّ شفافيتها ونقائها، وقال: “إنها امرأة عارية إلا منك”.
قرطاسُها المُلون
وتحدثت بن درويش عن بداياتها في مُعانقة اليراع، والتعبير عن ذاتها وأفكارها، مبيّنة أنها تأتي من خربشات الطُّفولة، التي كانت كثيرة باتساع ما تحمله ذاتها من اتساع الأفق، ومع مُرور الأيام، سافرت خربشاتها المُبعثرة عبر قرطاسها المُلون إلى عالم المُنتديات إبان نضوجها، لتحتضن الكُتاب، وصولًا إلى قنوات التَّواصل الاجتماعي، لتحط رحالها في بهو الصُّحف الإلكترونية.
وأشارت إلى أنها تهفو دائمًا إلى الرُّقي، الذي يُمثل بوصلة فكرها، فتُطرزه بأمنياتها الجمة، لتُشارك بنُصوصها في مُسابقات المدرسية، تباعًا إلى المُشاركة بالمُسابقات التي تُعدها الجامعة، مُنوهة بأن المُشاركة، تُمثل مرانُا نوعيًا، لكُلّ من ينشد التميز والإبداع، ليُقنن من أدواته وثقافته، ويصقل تجربته الكتابية.
العُزلة والبساطة
لكُلّ كاتب هُناك ما يستفز يراعه ليُدخله عنوة في وحي الإلهام، لتسقط كلماته على بياض القرطاس، وعن ذلك تذكر بن درويش أن الكتابة بالنسبة لها، تُمثل حالة معقدة؛ مبينة أنها لا تخضع لطقوس معينة أو ثابتة، فمتى ما استشعرت الرغبة بالكتابة تلجأ للعُزلة مع ذاتها حتى لو كانت وسط الضجيج.
وأوضحت أنه قد يحرضها على الكتابة موقف ما، أو عبارة تقرأها، أو حدث عابر، تتفاعل معه مشاعرها وأحاسيسها، ويستجدي فكُرها، ليستجيب اليراع له فيكتب.
وعبرت عن إصدارها “عارية إلا منك” الذي ضم 98 نصًا وجاء في 226 صفحة من الحجم المتوسط عن دار مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع بأنه عبارة عن نُصوص أدبية مُتنوعة، تُدثره الأبجدية في بوح ذاتي، كالسرد الذي يحمل في مضامينه إشارات مجازية لتفاصيل مُبعثرة قد يكون الجميع أحدها، ولكن قد لا يتشابهون في زواياها.
وقالت: “إن عارية إلا منك رغم بساطتها إلا أنها تحمل روحيَّ وأرواحًا أخرى، تتجول في حُروف الوجع، والحُّب، والغياب، والحُضور، وكُلُّ التَّضاد الذي قد يُخيفنا ويُبهجنا في ذات اللحظة”.
وروت لـ«القطيف اليوم» أنَّها في اشتغال جديد على إصدارها الثاني، الذي عنونته بـ”يُبصرونك في الأفق”، الذي يحتوي بين دفتيه على نصوص أدبية قصيرة وبعض المقالات، تأتي على شكل ومضات.
واختتمت حديثها، قائلة: “إن الكلمات الأخيرة، نجد فيها أنفسنا تتنفس الصعداء، بعد مرحلة التَّعب والجُّهد، والتَّرقب بعد عناء الانتظار ولهفة تحقيق الحُلم في هذه اللحظات”، مؤكدة أنها تتذكر كُلَّ شخص كانت له يد في نجاح هذا العمل، بداية من لحظة التفكير به، مُرورًا بمراحل الطباعة والنشر، حتى لحظة التَّدشين.
وتابعت: “أقول لهم من القلب شُكرًا لأنكم معي، لأنكم الأبطال في قصة حياة هذا المُنجز”، مضيفة: “تجربتي الأولى أراها رحلة جميلة كرسم لوحة صافية الزوايا بجانب نهر تُظلله النُخيلات وزقزقة العصافير، وأدعو كُل من تمتلك هذه الموهبة إلى المُبادرة بخوض التجربة بلا توجس، فكُلّ عاشق للإبداع عليه أن يبدأ”.
وبالنسبة لحياتها الشخصية فهي الكاتبة حليمة كاظم بن درويش ابنة قرية التوبي وهي مُتزوجة، وتعمل باحث تنمية اجتماعية في مركز التنمية الاجتماعية بمُحافظة القطيف، ومنسق إعلامي بفرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالمنطقة الشرقية، وعضو توستماسترز في عدة أندية، ومؤسس وراع للكثير من الأندية في المنطقة، وحصلت على بطولة المملكة في الخُطب العربية المُعدة لقطاع 79 عام 2020م للمملكة، وهي أول امرأة تحصد هذا اللقب.
وفي ذات السياق، قدم الشاعر فريد النمر ورقة نقدية عتّقها بقراءة تحليلة بعنوان “استشعارات الذَّات الحميمية في نُصوص عارية إلا منك”، كان منها:
يُلامس المعنى
ذكر النمر أنَّه من عتبة هذه المجموعة، كان لابُد من الوقوف على بوابة العنوان في تأويله المجازي العميق، كعتبة كاشفة، لندخل لهذه النُصوص المُدونة الشفيفة، كضيوف متأخرين بآخر الليل، لنلحق بأبعاد هذا العنوان الحاذق واللافت للحس، حيث دلالة العُري في إشكالاتها المعرفية وإحالتها المجازية، التي تحولت لقيمة انتفاء الحاجز المُختلق، كمُفردة تشيء لأقصى القرب الوجودي لذات الحبيب، الذي يتلبسُها تلبس الأنا الخاصة.
وقال: “من ثيمة هذا العنوان اللافت جدًا، تنبعث كُلُّ الكلمات رغم تباعُداتها المُؤرخة بتواريخها القلبية، نحو عناوين أخرى وشُخوصها الأقرب، كمنزلة لا تعرف الفوارق فيها إلا من خلال النَّص، واستلهام القارئ له بذائقة رفيعة وحساسة بين ما هو شاعري ومُشعرن، ونثري وإيقاعي، يُلامس المعنى، وإن غلب السَّرد الجزل، الذي يحتفي برُوماتيكية القلب الرومانسي، والعقل الحسي اللغوي في آن واحد”.
وأضاف: “فمن ابتكار المُسميات التي تُفتش عنها حليمة لذاكرتها المُتآمرة وتشكلاتها الواترة في عُشب الغياب تبقي أسئلتُها الوفية معها، تستهل ضبط الوقت والجمل، كحالة استقصائية نحو رهان البقاء والفراق، وبين معركة الخوف والخذلان”.
وبيَّن: “هُنا ومن تعري الصُور العالقة بها؛ يتضح البياض الجديد في الدَّواخل رغم عبثية الألوان المُقسمة على سطوة الحُضور والغياب، طينة الذَّاكرة وحارسها الأمين، فهكذا تسترسل حليمة في بعث الكلمات ونقيضها من عوالمُها الخاصة، تدخُلنا معها في فصول الكتابة من تضاداتُها الصادمة أحيانًا لا تماهيها، مع أسئلتها العابثة بالأشياء”.
“عارية إلا منك”
وأشار إلى أنَّ هذه النصوص التي تفرَّقت زمنيًا واجتمعت، كدفقة لغوية واحدة مُمتدة أفقيًا في فضاء هذا السفر امتلاء رومانسيًا، يُفضي للرغبة المُتجددة في خلق عالم أنثوي قادر على الصُعود في بعث العلاقة بين الحُّب والمعنى عبر مجساته اللغوية داخل الأنثى، كمُحرك أساس في هذا البيان الواضح والمتسق، مع أدبيات الدلالة، كمُشاركة تتجلى في فاعلية تطوير الفكر بالحُّب من منظور إنساني مُقترن باللغة الأنثوية الجامحة والمُحركة للشعور النسوي الخاص كامرأة لها لغتها الخاصة على خلاف اللغة الذكورية، التي تقع فيها كثير من الأديبات والقاصات في نُصوصهن الشاعرة أو السَّردية، كملمح جريء ومتسع.
وقال: “إن حليمة أتقنت رسم علاقتها اللغوية الشُعورية، لتنبئنا أن تعدد الحُّب في تعدد رؤاه اللغوية والفكرية والتعبيرية، وأنَّه ذو مراتب مُتعددة في حقيقة المفهوم وخُصوصية العلاقة المُرتبطة ببُعدها منها، حينما يكون نحو رجُل، كحبيب أو أب، أو عندما تكون هذه المحبة نحو امرأة صديقة أو أم حنون، لنجدها عاشقة في نصّها صهيل الجسد، وهي تتغنى في لوحاتها الخمس بتماهٍ خفي”.
وتابع: “لكي نستثمر هذه العلاقة في أشكال الوعي التَّام، الذي يصيغ هذه النُصوص، نقف على تعدد الهالة الصَّوتية حتى في العلاقة الذُّكورية؛ كون المخاطب أبًا أو حبيبًا أو أخًا”، مضيفًا: “وللمرأة التي تُحاكيها النُصوص بهمساتها الحميمية المُتسللة بحرارة المحبة تارة، والفقد والغياب تارة أخرى، كما هو في نص “طفلة لا تكبر في حُبك أبدًا”، ونص أريدُك قُربي”.
التوازن النًّصي
وذكر أنَّه كلحظة استشرافية للمُخيلة الواقعة بين الفكرة ورومانسية المشاعر الحالمة في خلق نص مُغاير يجد النُصوص تستبطن النَّص الشعري خارج سياقاته وإيقاعاته المعروفة والمحددة، لتأتي نُصوصًا عالية التعبير في مُلامسة شديدة لنكهة النثر المُشعرن، لجُمل تعبيرية مُتوازنة مُتكئة على عُمق المعرفة الدلالية، وعلى إيحاءات الرصد الموضوعي لهذا البوح الأنثوي الرومانسي الجاذب على غير المُعتاد في جهوريته ضمن نصوص الأنثى في الغالب.
وتطرق إلى القدرة على المُصاهرة بين النَّثرية الشعرية، وسرد المشاعر وتحولاتهما، وقال: “إذا كان لنا أن نحاكم النُصوص على قدرتها في بعث اللغة الخلاقة المُبدعة من عدمها ومباشرة روحها في خلق الجملة واسترسالها الوصفي الكاشف من تكثيف سرديتها وتساؤلاتها المُثيرة، كطاقة سردية، لتصورات مُعبرة لشريط الحياة نظرًا لحجم الجمال الفني للغة فيها، وتعدد الشكل الكتابي بين ما هو إيجابي الشُعور والفنية، وما هو عادي في الصياغة السَّردية المُباشرة، الذي يُحول النَّص الشفاف، لخاطرة لغوية جميلة ذات رسالة”.
وأكَّد أن هذه المباشرة جاءت أيضًا في نص “أباهي بك الدنيا”، والذي تحول النَّص فيه لسيرة حياة أكثر من أنه بوح فني، يقض مضجع الفراق.
وأنهى النمر ورقته، بأن مجموعة نُصوص “عارية إلا منك” لم يكُن التمثيل التحليلي للنصوص فيها بمثابة إثبات لكون النُصوص شعرية من عدمه أو أدبية أو سردية، بقدر ما هو انغماس لغوي جاذب يحُثنا على حركة التعبير الفاعل والوقوف على مشروعية لغتها الحقيقية النابعة من عُمق التعالق والقبض على الأنفاس، كعلاقة عُضوية بين المُمازجة الفكرية والشعورية، وقال: “فعندما تكون النُصوص عالقة بين المحبة، كقيمة وكفكرة نابعة، تمسُها اللغة الشُعورية، تُلقي بظلالها على النَّفس في بعث موهبة تعبيرية هائلة، يُمكن أن تتسع دائرتها التأويلية، كعمل مُوازٍ للشعور الخاص، بين ما هو مُتميز ومُدهش، وبين ما هو دون ذلك، لتكون الموهبة التعبيرية في خلق النَّص وفية لذاتها ولشعورها الدَّاخلي المُلهم والمُضيء”.
وأردف: “إنها مشتركة مع مُحيطها المُبدع والبناء، لكُونها قوية، فاستقبال إحساسها بالتجرد بين الحب والحميمية، والغياب والفرح والحزن والذكريات العالقة، كخريطة حياتية شاهدة على السائد منها وغير السائد، الذي كان يستمد الفعل النَّصي من خطابه الرُّومانسي بشقيه الفكري والأدبي في نصوصها الحالمة، والذي جسدت الزمان والمكان في تقاطبها السيميولوجي في تعدد الخطاب بين الحُّب والغُربة والوفاء والقيمة والطبيعة، كشاهد يُؤصل للحياة من فكرها الخلاق.
وتحلل حفل التَّدشين إلقاء الكاتبة بن درويش نُصوصًا من “عارية إلا منك”، وبعدها بدأت فعالية توقيع الكتاب.