الجرم الصامت!

إن الله قد خلق العين وقد أودع فيها نور الدنيا وجمالها، وجعلها في مستوى واحدٍ مع الأذن لكيلا نتوهان بعيدًا عن العدل والحق، جعلها بين موضع سجدة تحفها وتحميها، وبين منطق كلمٍ يصورُ موصوفها، ويجملُ معشوقها!
إن القلب هو مصحف البصر يقلبه كيفما شاء ومتى ما شاء، إن البصر هو بابٌ من أبواب العقل والحكمة، وبابٌ من أبواب التفكر والعظمة، وبابٌ من أبواب النجاح والإبداع حينما نوظفه كما أراد الله توظيفه، وحينما نبعدُ عنه المؤثرات السلبية التي تُشغلنا عن ملكوته سبحانه وتعالى!
كما أنه في المقابل أحد أبواب إبليس الرجيم، حينما يصوّب سهامه المسمومة خلف نظرةٍ محرمة، تقلب القلب وتشغله، تحول بينه وبين العقل إلى أن تأسره!
في الواقع إن النظر إلى الحرام هو بذرة الشهوة، هو منبع الفتنة ونشوبها، هو هيجان الغرائز، هو التقوقع في دائرة الهوى، هو الجرم الصامت في حق النفس، هو الوقت الضائع في سباق الحياة، هو العقل المأسور، والكرامة المسلوبة، والغيرة المهدورة!
إن الله سبحانه وتعالى من رحمته بنا وبعلمه بمكنون أنفسنا، قد حرّم علينا ما يؤذينا، وما يهيجُ جنوننا لكيلا نكون كالبهائم أو أضل سبيلًا، من حلمه وحكمته أنه حرم علينا الحرام ليحمينا من أنفسنا أولاً ومما حولنا ثانيًا!
إن العادة في ممارسة الحرام، والاستخفاف بها رغم الإلهام، ما هو إلا عجزٌ عن إصلاح النفس، وما هو إلا قصورٌ في فهم العلة من الخلق، إن تكرار الذنب قد يُميتُ القلب، وقد يهدر الغيرة من النفس، فليس الأكل المحرم هو فقط من يُذهب الغيرة، حتى النظر إلى ما حرم الله والاستئناس به قد يُذهب الغيرة أيضاً، ولك أن ترى ذلك فيمن حولك!
يا أيها الناس اعتصموا بالله بغض أبصاركم عن ما حرم عليكم لترون العجائب من قدرته ونِعّمه ورزقه!


error: المحتوي محمي