الجهل المقدّس والجهل المؤسس

«الجهل المقدس» مصطلح أتى به العالم الفرنسي أوليڤييه روا Olivier Roy، وهو مدير البحث في المركز الوطني للبحث العلمي، إضافة إلى كونه مديرًا للدراسات بمدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية، مع عمله أستاذًا في معهد الجامعة الأوربية بمدينة فلورنسا الإيطالية.

إنّ الجهل المقدّس ليس سوى تقديس غير المقدّس، فثمّة معارف مقدّسة ومنها النصوص السماوية للأديان، مثل القرآن الكريم في الدين الإسلامي، حيث تكفّل الله سبحانه بحفظه.

أما غير المقدّس فيصدق مثلًا على واقع اجتهاد العلماء وأقوالهم، أو تفاوت أقوال المختصين في إحدى مسائل فروع العلوم التجريبية.

أما المعضلة الكبيرة فتقع حين يُحيلُ البعضُ ما هو غير مقدّس إلى عنوان المقدس، جهلًا أو فهمًا خاطئًا أو تفسيرًا شاطحًا وقد يكون نتيجةَ قراءة مجتزئة، وغير ذلك من الوجوه التي تتوخى مقدّمات معرفية سقيمة وغير رصينة في أغلب الأحيان، وبعض سجالات واقعنا في عصر الكورونا تكشف مثل هذا الحال لدى بعض من يرفضون مبدأ الأخذ بالأسباب الاحترازية والوقائية.

وبذلك، فإن نتيجة جهل هذا البعض تأخذه إلى مرحلة تقديس جهلِه، فيغدو جهلُه مقدسًا لديه، يدافع عنه ويرفض غير أفكاره، بسبب الجهل الذي قد يخيّل للمخدوعين بأفكاره أو أقواله على أنّه لا يفارق الصواب، وإن واقع مجريات الفترة الحالية التي يعيشها العالم يكشف عن تمادي بعض هذا الواقع في ترويج الجهل.

أما ما هو أشدّ مضاضةً فذلك الذي يأتي ضمن دائرة الجهل المؤسس كما يسمّيه المفكر محمد أركون، حيث يشير إلى حالة تثبيت الأفكار الخاطئة عمدًا في أذهان الآخرين.

وكم نشاهد واقع بعض الميديا الحديثة التي أتاحت فرص ظهور بعض الجهل المؤسس الذي تتقاسمه معالم الجهل البسيط أو الجهل المركب، على حد تعبير المناطقة، الذي يعبّر عنه أحد الشعراء في قصّة حمار الحكيم، بقوله «قال حمارُ الحكيمِ يومًا، لو أنصفوني لصِرْتُ أركبْ.. لأنني جاهلٌ بسيط، وصاحبي جاهلٌ مركّبْ».

إنّ الجهل المؤسس قد ينشأ من الأهل أو الأصدقاء أو إثر حالة اجتماعية هنا وفعل اجتماعيّ هناك، فإن غرس بعض المفاهيم الخاطئة وترويجها على أنها صحيحة، تكون آثاره كبيرة على من يقع تحت مؤثرات هذا التزويق للجهل في صورة إعلامية وخطابية تشيع أنّ ذلك معرفة وعلم سليم.

من شاهد برنامج إحدى الفضائيات التي استضافت إحدى شخصيات «السنابيين» الذي اقتنع بقول مدير البرنامج الذي «خمَّ» فيه الضيف، على أنّ «السنابيين» هم فلاسفة هذا العصر، يجد حجم الجهل المؤسس في مساحة واقعنا المعاصر.


المصدر: آراء سعودية



error: المحتوي محمي