يعتمد الإنسان في غذائه على ما وهبه الله له في هذه الأرض من مقومات الحياة وكيف أن الخالق عز وجل سخّر للإنسان كل مقومات حياته سواء مما تنتجه الأرض بشكل مباشر “الأغذية النباتية”، أو غير مباشر “الأغذية الحيوانية”.
هناك آراء خلافًا لما يعتقده البعض تفيد بأن النباتات تحتوي على مواد غذائية كاملة وكافية لتغذية الإنسان، لأن الإنسان بطبعه معتاد على تناول ثمار الأرض التي تعطيه ما يحتاج إليه، واستندوا في ذلك إلى الصفة التشريحية، فهي تميل إلى أن الإنسان نباتي لا حيواني، فالطبيعة لم تهيئ الإنسان ليكون آكلاً للحوم، فأسنانه معدة معظمها قواضم وطواحن كما هو الشأن لدى الحيوانات النباتية، ومعدته أقل غنى بالعضلات التي تتولى مهمة تمزيق اللحوم، وأمعاؤه طويلة كما هو الشأن لدى الحيوانات النباتية.
فالإنسان لا يمكنه أن يتناول غذاءً مؤلفاً من اللحم ويظل على هذه الحالة فترة طويلة وما قد يسببه من إرهاق المعدة وإتعابها، بينما لو اقتصر غذاؤه على الفواكه والخضراوات والحبوب لزادته قوة وأطالت حياته بإذن الله تعالى ودليلهم على ذلك حياة الحيوانات اللبونة آكلة الأعشاب، فهي أقوى الحيوانات جسماً وأطولها عمراً، فالثور الشهير بقوته الفائقة نباتي، والفيل الذي يعتبره العلماء أقوى الحيوانات جميعاً – بما فيها الأسد – لا يتناول طعاماً سوى النباتات، ودع عنك السلحفاة – وهي نباتية كما تعلم – فهي تعمر مئات السنين!
من هنا نتساءل: ماذا تمثل لنا التغذية النباتية؟
الغذاء الذي نعيش عليه يلعب دوراً أساسياً في عملية الحياة، وعلامة على الصحة الجيدة، وهذا الأمر يبدو جلياً بين النباتيين الذين لا يأكلون اللحوم، وخلافاً لما يعتقده البعض، فالنباتات تحتوي على مواد غذائية كاملة وكافية لتغذية الإنسان، ونأخذ مثالاً على ذلك البروتينات، فقد كانت اللحوم تعتبر لمدة طويلة مصدرًا أساسيًا للبروتين لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنه، إلا أن البروتين النباتي أسهل هضماً وأقل إنهاكاً للجهاز الهضمي، كما أن هناك دواعي طبية ومحذورات تستدعي منا الإقلال من تناول البروتين الحيواني.
من المعروف أن الإدمان على تناول اللحوم يجعل الإنسان أقرب إلى سلوك الحيوانات الوحشية كالجَلَد المتين والغضب والعنف وضيق الخلق والمزاج وقسوة القلب، والأقرب إلى ذلك طباع أهل البادية الذين يغلب على طعامهم لحم الإبل.
لا شك أن اختيار أنواع الطعام له تأثير على سلوك الإنسان وصحة عقله، هناك مثل أوروبي يقول: تعرف الإنسان إذا عرفت ما يأكل.
وهكذا فإنّ لحم أيّ حيوان، يخلف بصماته على روح آكله مباشرةً، وينقل إليه صفاته. ولعل بعض شعوب دول جنوب شرق آسيا لا يحبذون اللحوم الحمراء أو الأطعمة الحيوانية، ويلجأون إلى المصادر الأخرى الموجودة في الحبوب والبقوليات والخضروات والفاكهة والمكسرات والمأكولات البحرية والتي تشكل جزءًا أساسيّاً من غذائهم، فغدوا نباتيين أو شبه نباتيين.
أغلب أطعمتنا من المصدر الحيواني تجعلنا نشعر بوجبة نهايتها غير مرضية. والنهاية المرضية تجعلك تتوقف عن التفكير في الوجبة التي تليها.
ونظراً لأهمية اللحوم الحمراء في إعطاء قوة للخلية العضلية، فإن أعداداً متزايدة يتناولون اللحوم بشراهة، تتحدث عنها موائد الرز باللحم أو المفاطيح وتوابعها من الشحوم والدهون.
ونحن نؤكد على أهمية أكل اللحم لبناء الخلية والمخ والعضلات والأعصاب والهرمونات والإنزيمات، وفي نفس الوقت لا نسمح بتناوله إلى حد الإدمان.
إن المبالغة في استخدام أي شيء مضر، ومن ذلك فإن هناك الكثير من المحاذير من إكثار تناول اللحوم الحمراء.
استوقفتني توصية للدكتور جاسر الحربش، استشاري باطنية في برنامج “الليوان” استضافه الإعلامي عبدالله المديفر، وكان الحديث منصباً على بعض السلوكيات الغذائية ومنها هذه التوصية: “من أجل الاستفادة من العصارات المعدية، فمن الأفضل أن يبدأ الشخص وجبته الغذائية باللحم يعني البروتين، ويؤكد الدكتور على ذلك من الناحية الطبية”.
اليوم تعتبر وسائل الإعلام وقنوات التواصل مرتعاً للجدل واختلاف وجهات النظر ، فالحديث عن سلوك صحي وآخر غير صحي يجب أن يقترن بالدقة العلمية.
إذن، ما حقيقة اللغط الدائر حول بدء الوجبة الغذائية باللحم؟
لسنا بحاجة من وقت لآخر أن نؤكد
قناعاتنا من واقع الخبرة والتجربة والمعرفة بالخطوات اللازم اتباعها في التعامل مع الغذاء، إلا أن الذي يدفعنا إلى ذلك هي المسؤولية.
عندما يطرح مثل ذلك الادعاء، هو أمر مرتبط بالصحة، دائماً ما يستدعي منا معالجة صحية صائبة؛ فلن نتردد في تصويب ذلك الادعاء؛ بهدف تغيير بعض المفاهيم والحقائق المغلوطة.
إن أعراض “عدم رضاء” المعدة السليمة عن وجبة أكلناها كوجود غازات وتجشؤ وانتفاخ، وما إلى ذلك هو بمنزلة أضواء حمراء تحذرنا من خطر يواجهنا إذا كررنا مثل هذه الوجبة بالنوعية والكمية التي أكلناها.
لابد من الإشارة إلى أثر نوع الطعام في بعث أمراض الجهاز الهضمي وهو الذي يهمنا، فكثرة الأكل أمر غير مريح، ووفرة استعمال نوعيات من الأطعمة لا تطيقها معدتنا، تحدث ضرراً وتعقيدات في الجهاز الهضمي، قد تقودنا إلى التهابات المعدة المزمنة، وغالباً ما يقدم الالتهاب زيادة في الحموضة.
هناك تأثير كيميائي يؤدي إلى زيادة إفراز حمض المعدة من جراء تناول بعض أنواع الأطعمة على معدة خاوية مثل اللحوم وأهم أعراضه: الحرقة في المعدة، والمعاناة من الغازات، وانتفاخ البطن، والغثيان والقيء، والشعور بألم في البطن، وقلة الشهية.
ما يهمنا هنا زيادة إفراز العصارة المعدية وتأثيرها السلبي على جدار المعدة، ويكمن ذلك في فقدان التوازن بين معدل إفراز عصارة المعدة ودرجة الحماية التي يوفرها الجدار المخاطي.
• المصدر لـ
بروفيسور موترام في كتابه تغذية الإنسان Human Nutrition [Mottram R.F]
و[إيزيس عازر نوار: الغذاء والتغذي]
فمجرد وصول الأطعمة المنتجة للأحماض مثل اللحوم إلى المعدة شبه الخاوية تبدأ العصارة الهاضمة بجهد عظيم يفْتك باللحم والشحم وفي مثل هذه الحالة قد يصاب الإنسان بمشكلات هضمية تبدأ بارتجاع حمضي وعسر هضم وتنتهي
بقرحة المعدة “وباء الموت الصامت” نتيجة لفرط إفراز حمض الهيدروكلوريك المَعْدي.
هل كان أجدادنا وهم يأكلون يبدأون باللحم؟
مثل هذا تصور مترف لمن تاقت نفسه إلى تمرات ولم يجدها! تمرات سهلة الامتصاص، أجدادنا عاشوا يأكلون الطيبات، لقد كان في مأكلهم آنذاك ألا يزيدون على ما يقيم الأوَد، فلم يكن لديهم أمراض العصر ولا يشتكون من حرقة أو حموضة ولا يحزنون.
وأخيراً، إذا كنت من أصحاب الطبع الحاد؛ فإني أنصحك بتغيير نمط حياتك الغذائي، وتبدأ بالإقلال من أكل اللحوم ث، ولا نقول لك ابتعد عنها بالكامل، وعليك بالأطعمة ذات الأثر القلوي والمحتوية على الأملاح المعدنية والفيتامينات، فأساليبنا الغذائية بحاجة إلى إعادة نظر!
منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات