انبرى يقدم الوعود لأبنائه، يرسم لهم أحلامًا تستدعي تشجيعهم على سرعة إنجاز الفروض ومضاعفة ساعات العمل، وفي ظلّ وجود الحافز يبرق وهج العمل.
والحافز هو المكافأة المُنتظرة، يتقاسمها الإنسان مع نفسه المُثخنة بالتعب، وبوجود الحوافز يستطعم الكادحون في الأرض لذيذ الإنجاز وفخر المقدرة.
والحافز في اللغة هو: الباعِثُ، الدَّافِعُ الَّذِي يَدْفَعُ الإِنْسانَ وَيَحُثُّهُ على القِيامِ بِعَمَلٍ مَّا.
ولعل الحوافز بذرة تُلقى في وجه المنجزين تُسقى بالجدّ وتثمر بالعمل، فالمحك الحقيقي للتشجيع على العمل لا يكمن بتعبئة جيوش تفرض العقاب وتراقب المخالفين، وإنما بخلق بيئة تُقدّر أرباب العمل.
وكلّما تعددت الحوافز سارع الإنسان لإنجاز مهامه العالقة ليمنح نفسه نشوة السعادة بعد إتمامها.
وفي واقع الأمر يمتلك الإنسان رغبات أثيرة إلى قلبه، ولعل أجمل الرغبات هي التي تمنح الإنسان السعادة التي ينشدها؛ لأنها تمثّل عالمه الداخلي الذي يتجنب الإفصاح عنه أمام الناس، فينفرد بالحديث مع الله في نداء يخلو من الخجل، وفي منظومة ابتهالية تتصف بالخشوع والتذلل والخضوع لله تعالى.
وعندما يرتشف المؤمن شيئاً من قبس نور الله تعالى يرى نفسه في هالة الدعاء، فيرسم جميع التوقعات الجميلة من الله تعالى، وخاصة في أوقات وأزمنة مباركة يتسابق فيها الناس لنيل الحوافز الإلهية من الله تعالى، وما شهر رمضان سوى مضمار للسباق يتنافس فيه المؤمنون للوصول لمرضاة الله وجزيل ثوابه.
وكياسة المؤمن تقتضي أن يستغل ما بقي من ساعات قليلة قبل أن ينصرم الشهر الكريم، كما ملأ جدوله اليومي في الأيام السابقة بجميع الأعمال الصالحة، مما تعذّر على الشيطان أن يتسلل فينفذ عابثًا بالأجواء الإيمانية التي أزهرت طيلة شهر رمضان ما بين مجالس ذكر الله ومناجاته تعالى.
وحوافز الشهر الفضيل هي لون من ألوان الخيال، يعجز العقل البشري أن يحيط بحدود ثوابه، فقد انفرد الله تعالى بمقدار مضاعفة أجره لمن صامه احتسابًا وإيمانًا.
لذلك فقد نسب الله شهر رمضان له تعالى وجعل من ثوابه حافزًا لإنجاز المزيد في أيام الشهر الفضيل ولياليه محتضنًا عباده بالرحمة والغفران عندما يقول: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”.
لا مثيل لثواب الصيام، وثمّة ألطاف إلهية في شهر رمضان تُحيطنا فنتخلص من أدران الروح، يمنحنا شهر رمضان السناء المُضيء فنخرج من كهوف الذنوب المظلمة، نفرح لأننا نُفطر على رضا الله ونفرح عند لقاء الله، وإكرامًا للشهر الفضيل يتحول خلوف فم الصائم لريح المسك، ويتحول سهو الصيام بالأكل والشرب – عندما تغشاه نوبة النسيان – إلى مأدبة فاخرة من الله تعالى، فقد أسقاك وأطعمك من حيث لا تعلم.
بصيام يوم واحد من الشهر الفضيل نبتعد عن نيران جهنم بسبعين خريفًا، وللصائم عند إفطاره دعاء لا يرده الله.
وليس ثمة ضياء أشد نفاذًا من ضياء فوانيس المغفرة في أوقات السَّحر، حيث تتجلى هبات الله وعطاياه في أواخر الليل وقرب بزوغ الفجر.
وهل هناك أجمل من نداء الله لعباده عندما ينادي: “من يبتهل لي فألبي دعوته، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له!”.
نحن اليوم نعيش صُبابة ما تبقى من شهر الصيام، والبركات والغفران نودعه وداع المشتاق ونقول له: “السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيام، السلام عليك من مطلوب قبل وقته ومحزون عليه قبل فوته، السلام عليك وعلى ليلة القدر، السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك وأشدّ شوقنا غدًا إليك”.
مما لا شك فيه أنّ هناك ذكريات تغيب وما تلبث أن تعود مجددًا محفوفة بالفرح، وهناك أزمنة تبتلعها الساعات والأيام، وشهر رمضان شهر يحمل أجمل ذكرى تحلّ بأنسام الخير، فيُثير شذاه ذكرى نفحات الإيمان المتناثرة بين مجالس القرآن ولقاءات الأقارب والأحباب.