ثلاث عاملات عندنا في بيتٍ صغير في شهرِ رمضان وكأنهن إطفائيات في المنزل. في كلِّ لحظة تسمع واحدًا من الأطفال أو الطفلات الذين احتلوا بيتي – بقوة الحبّ – يصيح من قمَّة رأسه: ماري، والثَّاني يصرخ: ساري، والثَّالث يزعق؛ سواتي. عاملات خيرٌ لابدَّ منه لتنشئة الأطفال في هذا الزمن مع انشغال الأمهات بالعمل وكسل الأطفالِ الكبار.
أصبح كل طفل الآن يحتاج إلى قرية كاملة لخدمته، فلا طفل يجمع ملابسه المتَّسخة ولا يغسل ماعون أكله، أما عن تنظيف الغرف فلا تسأل فإنها محرَّمة عليهم! عملٌ جيد، إذا كانت الأسرة من الطَّبقة الاقتصادية المتوسطة فما فوق، ويمكنها توفير مساعدةٍ منزلية، أما دون ذلك فهي مسألة عويصة. وفي كلتا الحالتين هل نحن خلقنا من أطفالنا جيلًا من الكسالى، جلّ ما يطمع فيه ويطمح إليه النّوم واللَّعب؟ ليس مستبعدًا أن يكون هذا صحيحًا، وهذا ميدان الإجازة الصيفيَّة مفتوح، فليجرب حميدان خدمةَ نفسه ولو بالاعتناء بغرفته.
وآخر شيء في قائمة الأعمال الصَّلاة والعلاقة بالرب، فمتى ما استيقظوا من النَّوم يمكنهم التفكير في الصَّلاة، إن فكروا فيها أصلًا، وإلَّا فلا عجلة. وأما الطَّعام فهذا يعجبني وهذا لا يعجبني وكأن الدُّنيا ملزمة بتوفير قائمة مفضَّلة ومفصَّلة على قياس كل صبيّ وصبيَّة منهم!
تبعات هذا النَّمط من الحياة لا تنتهي هنا، فإذا ما حان وقت زواج الصبيَّة وليس عندها واحدة من هؤلاء الإطفائيات لسببٍ أو آخر فلن تستطيع تدبير شؤونها المنزليَّة من تنظيف وطبخ وغسل، مما قد يكون سببًا في انهدامِ بنيان الزوجيَّة. والصبيّ عندما يكبر ليس عن هذه الأفعال والصفات ببعيد!
إذًا ليس الحلّ إمَّا لا شيء أو كلِّ شيء. الحلّ في تنظيم وتقنين هذا العون وتعويد الأطفال باكرًا على القيام ولو ببعض من شؤونهم الحياتيَّة، لا إفراطَ ولا تفريط.
أفكار هذه الحلقات تحت عنوان “بيت جدي” أعانني فيها أحفادي – وعلى الخصوص أياد ومحمد – بأفكارهم عن صراع الأجيال بين الماضي والحاضر وصعوبة ومخاطر الانتقال من جيلٍ لآخر، ولعلَّها تجمع وتطبع في كرَّاس يومًا ما. كنَّا كلَّ يوم نطرق شأنًا من شؤونِ الحياة في رحلتنا نحو الحقلِ الصَّغير بين السَّاعة الرَّابعة والسَّادسة فجرًا من ليالي شهر رمضان المبارك ١٤٤٢ هجريَّة.